لا أمان لأحد في غزة، فالموت يأتي من كل مكان، لا يفرق "بنك أهداف" الجيش الذي لا يقهر بين مدني ومقاوم فالكل هدف مشروع،غير أن الأكثر ايلاما استهداف أطفال في عمر الزهور واغتيال براءتهم أينما وجدوا سواء حبسهم الأهل خلف أسوار المنازل والنوافذ المسيجة بالقيود الحديدية خوفا عليهم من القصف أو تسللوا خفية للهو على شاطىء بحر غزة أو كانوا ضمن آلاف النازحين من منازلهم بالمناطق الحدودية الشرقية والشمالية او حتى كانوا يلهون على أرجوحة احتفالا بالعيد. أطفال غزة الذين شهدوا ثلاثة حروب في أقل من 6 سنوات أضحوا فريسة بلا أى ذنب للخوف الشديد والقلق وأعراض الصدمات النفسية والعصبية وباتت أحلامهم تصارع واقعا مريرا انتهكت ألة القتل والتدمير الإسرائيلية الغادرة براءتها وطهرها, فلم تعد للفرحة مكان عندهم في ظل بشاعة مناظر القتل والدم والدمار والخراب الذي طال كل شيء في القطاع الساحلي المنكوب. ومنذ بدء العدوان على غزة لا يكاد يمر يوم دون الإعلان عن موعد جديد مع غارة جوية أو قذيفة للمدفعية أو الزوارق الحربية أفرغت شظايا حقد قنابلها المميتة في أجساد أطفال لا حول لهم ولا قوة وحولتها لأشلاء وقطع متفحمة،وكانت اصغرهم الرضيعة ميداء أصلان (شهر ونصف) التي غادرت دنيا لم تبق فيها طويلا (الأثنين الماضي) متأثرة باصابتها في قصف استهدف منزل أسرتها وسط القطاع. يعلق رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (ومقره جنيف) رامي عبده على استهداف الاطفال قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن "سلطة الاحتلال اتبعت استراتيجية "كي الوعي" خلال هذه الحرب المدمرة ، وسعت بعد فشلها في الوصول لقادة المقاومة لايلامهم بشكل غير مباشر عبر استهداف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ بحيث يبقي في وعيهم أنهم سيدفعون ثمن أى تصعيد أو حرب وان المقاومة مسئولة عن الخراب والدمار الذي يحل بهم". ويؤكد عبده الذي يقطن في مدينة غزة: "المستهدف الرئيسي من هذه الحرب هم الأطفال والنساء، لذا أطلق كثير من الفلسطينيين على سبيل الفكاهة الممزوجة بالألم مقولة "إذا أردت أن تعيش بأمان، ابتعد عن الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال". وشرعت إسرائيل في السابع من يوليو الماضي بشن حرب على قطاع غزة أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد"، تسببت حتى نهاية يوم 12 أغسطس الجاري في استشهاد 1951 فلسطينيا من بينهم 469 طفلا وإصابة 10193 آخرين من بينهم 3084 طفلا بحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة. ويضيف عبده:"الأمر الآخر يتعلق بعقلية إسرائيلية تنظر إلى الطفل على أنه مصدر تهديد أو بالأحرى "إرهابي محتمل"، وكان الأمر في السابق يقتصر على الحاخامات واليمين المتطرف لكنه اتسع وامتد ألان إلى شرائح واسعة ومتنوعة في المجتمع الإسرائيلي". وتابع:"تعالت نبرات عنصرية مفادها أن أي طفل فلسطيني يمثل تهديدا محتملا للوجود الإسرائيلي،عبرت عنها جريمة اختطاف وقتل وحرق الطفل محمد أبو خضير بالقدس المحتلة قبل أيام من العدوان على غزة من قبل عصابات "تدفيع الثمن" اليهودية المتطرفة ". وتصاعدت في الآونة الأخيرة موجة من التحريض والتصريحات الفاشية بين مختلف الأوساط الإسرائيلية تدعو الى قتل الفلسطينيين ونسائهم وأطفالهم وتدمير منازلهم بلا رحمة وكان أبرزها دعوة عضو الكنيست "ايلت شاكيد" عن حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف إلى "قتل النساء الفلسطينيات لوقف توالد الفلسطينيين ومنعهم من التكاثر". كما نظم المئات من نشطاء اليمين المتطرف مظاهرة في ساحة رابين بتل أبيب نهاية يوليو احتفلوا خلالها بقتل الأطفال الفلسطينيين..وأظهرت مقاطع فيديو ترديدهم هتافات عنصرية خلال المظاهرة منها "غدا لا توجد مدرسة..لم يبق أطفال في غزة" .."أنا أكره كل العرب"و"غزة هي مقبرة". وطالت تهديداتهم الأعضاء العرب في الكنيست مثل أحمد الطيبي وحنين زعبي اللذين اتخذا مواقف منددة قوية ضد استهداف الاطفال والمدنيين في غزة، ومنها "أحمد الطيبي، أريدك أن تعرف، الطفل القادم الذي سيصاب هو طفلك"،"أنا أكره طيبي الإرهابي"،"هذه هي الدولة اليهودية،أنا أكرهك حنين زعبي". ويقول الحقوقي الفلسطيني رامي عبده "استهداف الأطفال لم ينجم عن إهمال أو استهتار وإنما هو استهداف ممنهج ومتعمد بدليل حادث أطفال عائلة بكر على شاطىء بحر غزة". واحتضنت رمال شاطئ ميناء غزة أجساد أربعة أطفال من عائلة "بكر" قضوا شهداء عصر الأربعاء 16 يوليو الماضي عندما استهدفتهم الزوارق الحربية التي كانت ترسو قبالة شواطئ بحر غزة بينما كانوا يلهون دون أن يحسبوا حساب كل هذا الغدر ببراءتهم. وانتشلت أجساد الأطفال الأربعة وهم:عاهد عاطف بكر (10سنوات)، زكريا عاهد بكر (10 سنوات)، محمد رامز بكر (11 سنة)، واسماعيل محمد بكر (9 سنوات) أشلاء ممزقة بفعل الاستهداف المباشر لهم فيما ظلت كرة كانوا يركلوها شاهدا على بشاعة المجزرة التي وقعت خلف أحد الفنادق المطلة على الشاطىء يعج بالصحفيين الأجانب ليكونوا شهود عيان على المجزرة البشعة. ويضيف عبده:"لا يوجد مكان آمن هنا في غزة،كل شيء مستباح وتحديدا في الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال وتم توثيق حالات كثيرة ومنها استهداف 6 مدارس تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" تأوى نازحين من بيوتهم المدمرة او هربا من القصف وغالبيتهم من النساء والأطفال". وذكر أن جيش الاحتلال قصف بدم بارد منازل نحو 60 عائلة على رؤوس ساكنيها مما أدى الى استشهاد نحو 300 فلسطيني على الاقل وبالطبع نسبة كبيرة من المتواجدين في هذه المنازل هم من الأطفال. ويحتاج أطفال غزة بعد الحرب إلى برامج تعليمية ونفسية وترفيهية مكثفة للعلاج النفسي وإزالة ما اختزنته عقولهم من صور مؤلمة ومشاهد قتل ودمار وفقا لخبراء الطب النفسي. وكشف بحث ميداني أجراه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على عينة من 340 طفلا من سكان القطاع أن 96% منهم يعانون مما يعرف ب"اضطرابات النوم لدى الأطفال"، كما يعاني 87% من الأطفال الذين شملتهم العينة من "إصابات بالصدمة أو الذهول"، ولوحظ على 89% منهم وجود "تغيرات في الشهية". وارتكب جيش الاحتلال الاسرائيلى مجزرة مروعة في 28 يوليو الماضي أول أيام عيد الفطر عندما شنت إحدى طائراته الحربية غارة استهدفت حديقة تعج بمئات الأطفال بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة مما أدى لاستشهاد 10 أطفال وإصابة 40 آخرين.