توفي ابن لادن.. لكن شبحه سيبقى لفترة طويلة مخيمًا على بلدان المنطقة. ولأنّ المعارضة المسلحة الأفغانية لا ترضى بأن تختزل في تنظيم القاعدة، فإنّها تعتبر أن مقتل ابن لادن في الثاني من شهر مايو الجاري لن تكون له على الأرجح تأثيرات مباشرة على "التمرد"، الذي تقوده الحركة ضد قوات التحالف الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة. لكن في المقابل ستكون له انعكاسات غير مباشرة على المنطقة بوجهٍ عام، وعلى مستقبل العلاقات الخاصة التي أقامتها لولايات المتحدة مع باكستان غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 200. ويذهب وزير الخارجية الأفغاني زلماي رسول في تفاؤله بعيدا معتبرا أن مقتل زعيم القاعدة سيساعد في تحقيق المصالحة الأفغانية، واستكمال العملية الانتقالية بهدوء. ويعلل زلماي موقفه هذا انطلاقا من مبدأ أن الصلات القائمة بين حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة ترتكز في جانب كبير منها على العلاقات الشخصية التي تجمع زعيمي التنظيمين أسامة بن لادن والملا عمر. في هذا السياق يأمل الجنرال دافيد بترايوس قائد قوات التحالف الغربي في أفغانستان أن يشكل غياب ابن لادن عاملا مساعدا في قطع العلاقات التي تربط حركة طالبان بتنظيم القاعدة، الأمر الذي من شأنه - بحسب بترايوس– أن يؤدي إلى بدء المفاوضات بين حكومة حامد كرزاي المدعومة من قبل الولاياتالمتحدة وحركة طالبان الأفغانية، وهو الأمر الذي تسعى واشنطن جاهدة إلى تحقيقه. لكن سياسة التقارب هذه مع حركة طالبان - والتي يراهن عليها حامد كرزاي كثيرا منذ أكثر من سنة – تثير جدلا واسعا على مستوى الطبقة السياسية الأفغانية. المؤكد كذلك أن مقتل ابن لادن ستكون له انعكاساته المباشرة على المشهد السياسي في باكستان، وبشكل خاص على العلاقات الصعبة والحساسة التي تربط إسلام آباد وواشنطن. فحقيقة أن أسامة بن لادن المطلوب رقم 1 أمريكيًا منذ الحادي عشر سبتمبر 2001 كان يقيم لأكثر من خمس سنوات في مدينة باكستانية بالقرب من العاصمة إسلام آباد، وبجانب أكاديمية عسكرية معروفة، يعزز كثيرا من الشكوك حول الدور المزدوج الذي تقوم به السلطات الباكستانية، وطبيعة العلاقات التي تربط أجهزتها الاستخباراتية وربما الجيش الباكستاني ذاته بالجماعات الأصولية المسلحة. الحكومة المدنية التي تقود باكستان حاليا – ورغم الحرج الكبير الذي تشعر به وحالة التذمر الشعبي العارم من انتهاك الولاياتالمتحدة للسيادة الباكستانية – تسعى لاستغلال هذه الفرصة الثمينة من أجل فرض سيطرتها على الأجهزة الأمنية الباكستانية ذات النفوذ القوي. وربما ستحرص الحكومة الباكستانية على استخلاص العبر والدروس من دعمها لحركة طالبان والتي كلفتها خسارة ثقة الحليف الأمريكي والجار الأفغاني القريب، دون أن تخلص البلاد رغم كل ذلك من مخاطر وتهديدات الحركات "الجهادية". ويعلق السفير الأمريكي السابق في كابول "رونالد نيمان" على الموقف الباكستاني في مرحلة ما بعد ابن لادن بالقول "إن مواقف السلطات الباكستانية تحددها بشكل كبير الوضعية الجيو- سياسية بالمنطقة؛ فإذا كان الباكستانيون يعتقدون بأن حليفهم الأمريكي سيسحب قواته من أفغانستان ليترك لهم بلدا هشا وضعيفا على حدودهم الشمالية، فإن مصلحتهم هنا بلا شك تقتضي دعم حركة طالبان والجماعات الراديكالية. ولعل ذلك ما يفسر إبقاء إسلام أباد على كل الخيارات مفتوحة. وإذا كانت قوات التحالف الغربي في أفغانستان قد سجلت هذه السنة نقاطا على ساحة المواجهة المسلحة – بحسب السفير الأمريكي رونالد نيمان – فإن الوضع السياسي يبقى مرتبكا وغائما للغاية. ويتعين على الولاياتالمتحدة أن تقنع المسئولين الباكستانيين بأنهم لم يختارو "استراتيجية للخروج من الأزمة، وإنما استراتيجية مرحلة انتقالية". ويمثل الكشف عن تاريخ موعد الانسحاب الأمريكي - والذي سيبدأ بحسب الرواية الرسمية الصيف القادم، ليكتمل خلال عام 2014- واحدا من أهم أخطاء الإدارة الأمريكيةالجديدة. ويقول المرشح الرئاسي السابق عام 2009 ووزير الخارجية الأفغاني قبل ذلك عبد الله عبد الله إن قياس درجة تأثير مقتل ابن لادن على مستقبل الصراع في أفغانستان يتوقف أولا وأخيرا على طبيعة العلاقات التي ستجمع واشنطن وإسلام آباد. ويحذر الدبلوماسي الأمريكي السابق رونالد نيمان من أن هامش المناورة الذي تملكه الولاياتالمتحدة تجاه باكستان ضيق للغاية، وبالتالي يتعين "الإبقاء على سياسة ممارسة الضغوط، دون أن يتسبب ذلك في حدوث قطيعة". لكن الرفض يمكن أن يأتي كذلك من الجانب الأمريكي، فمنذ مقتل أسامة بن لادن تعالت الأصوات داخل مجلس الشيوخ مطالبة بتسريع عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، معتبرين أن العمليات الخاطفة، من قبيل عملية الكوماندوز الذي اغتال ابن لادن مؤخرًا، أكثر فعالية وأقل كلفة من الاستراتيجية القائمة على المواجهة المفتوحة مع الجماعات المسلحة، والتي كانت آخر نتائجها على الساحة الأفغانية إرسال 30000 جندي إضافي كتعزيزات إضافية لدعم المجهود العسكري الأمريكي. ترجمة / سعد بن أحمد (الاسلام اليوم)