قديماً قالت العرب: " أنْ تَرِدَ الماءَ بِماءٍ أكيَسُ" يعني "خليك واعي وما ترميش المية اللي فاضلة في الازازة وأنت رايح تجيب غيرها من التلاجة"... طب لو معاك سُلطة وأدامك سُلطة تانية تعمل إيه؟ أن ترد السُلطة بسُلطة أكيَسُ ... وصلت؟ مش مهم... لأن هناك من وصل وسيصل. سيقولون: دا كلام؟ فيه دستور وفيه انتخابات... وأقول: الانتخاب والانقلاب دونت ميكس... سيقولون: البلد فيها ثورة والناس لن تسكت... وأقول: إن المماليك أبداً لم يروها كذلك، بل كانت مباراة نزل فيها الناس أرض الملعب، فقرر المماليك إعادتهم إلى مقاعد المتفرجين، فهذا هو مكاننا، وذاك هو دورنا، فلماذا كانت القلعة إذن؟ على ربوة عالية وأسوار متناهية تقبع فيها الطغمة الحاكمة وتدير البلد والشعب مفعول به دائماً... متفرجا حامداً أو ناقماً. أما المماليك فهم أصحاب الأرض والجمهور، أو حسب فيلم الزوجة الثانية "الدفاتر دفاترنا ومحدش هايقول لنا حاجة." النكتة تُضحك بسبب ما فيها من مبالغة وخروج عن المنطق والمعقول، لكنها تُبكي عندما تُصدَق رغم كل ما فيها من عبث، وذاك حالنا، صدقنا أن الإيدز يمكن أن يغدو كفتة، وأن لدينا من يزهدُ في السُلطة، وأن الإعلام حكاياتٌ عن تزغيط البطة... صدقنا أن القاتل معذور وأن المقتول هو المذنب... صدقنا أن الغد أكثر إشراقا حتى لو حرقونا إحراقا... صدقنا أن الرقص في الشارع هو ”الإسلام الجميل“، وأننا نحتاج إلى الديكتاتور النبيل... كيف يجتمع النبل مع العسف، والعدل مع الاستبداد؟ صدقنا النكتة، وبدلاً من أن نضحك أضحكنا الناسَ علينا. وبعد أن دعونا بأن تسلم الأيادي، الآن نُقبل الأيادي من أجل أن يحكمنا من هو بالفعل حاكمنا... وهو يتمهل ويتريث والناس في انتظار المنقذ الذي سوف "يعدل المايلة"... ليس انتظاره تمهلا، لكنه من نوع "أن ترد السلطة بسلطة أكيس" ... مستعد أن آخذ ما تعرضونه على لكن لا تأخذوا ما هو عندي... وماله، آهو كله عشان مصر! عندما تحب بشدة فإنك تلغي عقلك، وعندما تكره بشدة تلغي ضميرك، فوا حسرة على شعب ألغى عقله وأضاع ضميره! صدق الملهاة فعاش في مأساة... قديماً قالت خزام: ولقد نصحت قومي بالضحى، فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد... ضاعت خزام وقومها، ضاع الناصح والمنصوح، وضاعت شعوب في معابد حكامها... فلنعد إلى مقاعد المتفرجين، ناخد حتة سميط من بائع سريح، أو شربة ماء ملوث، ودعهم يلعبون بالسلطة والثروة، ودعنا من أوهام الحرية وأحلام العدالة، واضرب كمان أنا عايز أتوب!