حقيقة المشروع الإسلامى ترددت أن أكتب في مثل هذه الأجواء المدلهمة وأحجمت فترة حتى لا أكون قاسيًا على إخواننا في الحركة الإسلامية، غير أنني تذكرت اليوم منهج القرآن في معالجته لآلام المسلمين يوم أحد وكيف أن الآيات نزلت لتبين لهم سبب ما هم فيه من قتل وهزيمة (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) فلم ينتظر القرآن انتهاء المعركة حتى يعاتبهم بمخالفة أمر الرسول صلى الله عليه لهم بعدم النزول من فوق الجبل، وجريًا على هذا المنهج سأكتب بعض الدروس المستفادة من هذه التجربة التي عاشتها ومازلت تعيشها الحركة الإسلامية فنقول أولًا دعونا نتفق بداية أنه لا يمكن لأحد أن يدعى أو يتوهم أن فشل تجربة منسوبة للإسلام أو قصورها عن تحقيق نجاح متوقع يعنى بالضرورة نهاية المطاف أو جفافًا للصحف أو إقصاء للإسلام أو محاربة له، فإن الإسلام هو دين الله الخالد وهو أعظم من أن يختصر في مشروع سياسي أو جهد بشري يجري عليه ما يجرى على الطبيعة البشرية من قصور أو نقصان أو ضعف أو يدعي فصيل امتلاكه، كما لا يمكن لأحد أن يزعم أن المشروع الإسلامي هو مشروع سياسي بنسق محدد أو نظام معين فالمشروع الإسلامي هو مشروع حضاري شامل يتشارك فيه أبناء الجماعة المسلمة والوطنية كافة وليس مقتصرًا على فئة بعينها. دعونا نعترف أيضًا بأننا تربينا في محاضننا الإسلامية على دغدغة مشاعر الناس بخطاب عمومي عاطفي ومطلق معتمد على استلال صور تاريخية في ظروف معينة وملابسات خاصة وتصديرها للناس على أنها النماذج الواعدة التي سنقدمها للناس حينما نحكم ويمكن لنا في الأرض وانشغلنا بهذا الخطاب عن فهم طبيعة هذا المشروع الإسلامي وفهم دوره في الحياة، وظننًا أنه سيكون إقامة للحدود وسن بعض قوانين الجزاء الجنائي، كما انشغلنا بهذا الخطاب عن تفاصيل المشروع وإعداد من يقوم بتقديمه للناس وظننا أنه من جملة المشاريع الدعوية التي نقدمها للناس في الجامعات والنقابات ففوجئنا أننا أمام نمط من الإدارة لم تعهده الحركات الإسلامية في تاريخها وهو نمط (الدولة) وليس الجماعة، وبدل أن نعترف أولًا بالفارق بين إدارة الحركة وإدارة الدولة ونذعن له ونحاول فك طلاسم هذا النمط من الإدارة والولوج فيه برفق وتحسس ونشرك معنا الآخرين ممن يملكون فن هذه الإدارة تجاسرنا وقدمنا شبابنا إلى محرقة إدارة الدولة دون تدريب أو تأهيل أو إعداد فاحترقوا وحتى بعد أن أدركنا أن كوادرنا لم تستطع أن تعوض الفارق بين الإدارتين لم نستعن بالآخرين على الأقل لنتعلم منهم أو لنتفادى مؤامراتهم. فماذا كانت النتيجة؟ أتينا بالغرائب في علم إدارة الدولة فكانت القرارات متخبطة والقوانين مضطربة والإدارة سيئة والنتائج منعدمة أو قليلة وأعطينا السكينة لخصومنا ليذبحونا بدم بارد. والسبب في كل هذا أننا لم نفقه التبدل العميق والهائل الذي طرأ في مفهوم ووظائف الدولة والفرق بينها وبين إدارة الجماعة وفي جملة المتغيرات الكثيرة في التنظيم والعمران والمطالب الاجتماعية والعقلية الناشئة لدى الشعوب الإسلامية جراء انفتاحها على الغير. وإنني أعجب هنا من خروج بعض الإسلاميين على القنوات يصرخون بأن ما حدث هو معاداة للمشروع الإسلامي، فأين هو المشروع الإسلامي حتى يكون له أعداء؟ إنه من غير المعقول أن نتكلم عن معاداة المشروع الإسلامي دون وجود لملامح هذا المشروع الذي لم نر منه شيئًا مبرمجًا واضحًا فأين المشروع الإسلامي في السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والإعلام وغيرها من مجالات الحياة فكيف ندعي معاداة الخصوم السياسيين لمشروع لا برامج له ولا أطر تنفيذية؟ دعونا بربكم من موضة (محاربة المشروع الإسلامي)... لأن كثيرًا من المؤسسات في العالم العربي والإسلامي والتي كنا نصفها في أدبياتنا بالحكومات الظالمة أو المستبدة لتقدم للإسلام مشاريع وبرامج أضخم بكثير مما تقدمه جماعات الدعوة المعاصرة مجتمعة، فهل تستطيع جماعة تدعي أنها تمتلك مشروعًا كاملًا وناضجًا للتعليم الشرعي كما يمتلك الأزهر بجميع مستوياته العلمية والعمرية؟ وهل تستطيع جماعة مهما بلغت مدرستها الدعوية اتساعًا وانتشارًا أن تضاهي مشروع الأزهر العالمي في نشر الدعوة الإسلامية؟ وهل يمكن لأية جماعة مهما بلغ علم أبنائها أن تقدم ما تقدمه المجامع الفقهية في كل من مصر والسعودية والسودان من بحوث فقهية راسخة وفتاوى رصينة في كل مجالات الحياة؟ وهل ينكر أحد دور بيوت الزكاة في الكويت والسعودية وقطر في تأطير مشروع التكافل الاجتماعي للفقراء؟ وهل تستطيع جماعة أن تقدم مشروعًا متكاملًا لأسلمة الاقتصاد كما قدمته قوانين الكويت والإمارات وقطر.......؟ لابد وأن نفيق وكفانا صراخًا بأن الإسلاميين فقط هم أصحاب مشروع إسلامي وأتحدى أن تقدم لنا جماعة إسلامية تصورًا لمشروع إسلامي واضح المعالم بتفاصيله في المجالات كافة بتفاصيله ومراجله وبرامجه بعيدًا عن المقالات الإنشائية كما تقدمه كثير من المؤسسات الإسلامية.