في خضم المتاجرة بحادث فردي مؤسف سارع ناشطون أقباط في الداخل والخارج بفكرة كتاب أبيض يتعهد فيه الرئيس مبارك بحماية الأقلية المسيحية في مصر، وإلا فالبديل طلب الحماية الدولية! كتاب أبيض لحماية طائفة من الشعب دون أخرى، فهل هم جيتو أو دولة داخل الدولة أو مجتمع مختلف لابد أن يمنح امتيازات عن البقية لأنهم يلوحون دائما بسيف أمريكا في وجه شركاء الوطن الواحد "المسلمين". لا أفهم لماذا تصر تلك الوجوه على عزل المصري المسيحي عن المسلم، مع أن مشاكل الوطن واحدة، بل يتجرعها المسلم بمرارة أكثر، فقوته الاقتصادية أقل، وتسلط السلطة عليه أكثر لأن لا ظهرا يحميه. القمص كيرلس رئيس أسقفية نجع حمادي كان يتحدث خلال اليومين الماضيين بما يوحي على الفور بقوة الظهر الذي يستند عليه، مع أن "حمام" الكومي، ذاك البلطجي كان يستمد قوته من الكنيسة في نجع حمادي ومن نواب الحزب الوطني في المنطقة. لقد تم تسمينه وتسليطه على الناس منذ الانتخابات النيابية الماضية برعاية الجانبين لكي يمنع المرشحين المستقلين من التيار الاسلامي من الوصول إلى البرلمان، وعندما استأسد وتوسع في نشاطه الاجرامي بعد تحقيق الهدف الذي سعيا إليه، تركه الأمن يفعل بالناس ما يحلو له، حتى قيل عن جبروته أنه ينزل إلى وسط المدينة ليقتل أو يخطف ويأخذ الاتاوة ثم يفر كالحمامة! لا يعرف أحد ماذا يستفيد الأمن من ذلك، ولماذا يكرر خطأه دائما وفي نفس المساحة الجغرافية. فقد ترك من قبل بلطجيا يسيطر على جزيرة في أسيوط ويفرض امبراطوريته على الناس في القرى والنجوع، مقابل أن يحارب الجماعات الإسلامية بالنيابة عنهم، وبعد انتهاء المهمة، تركوه يعيث فسادا وإجراما ويحصد أرواحا بالجملة، وصار دويلة تحمي حدودها بمتاريس من السلاح المتقدم الذي لا يعرف أحد مصادره، يحارب من كانوا أصدقاءه بالأمس لأنه لم يرد أن يقف أحد أمام مزارع المخدرات التي ملأت الجزيرة. لُقب الكومي ب"حمام" لأنه يهبط كالمارد ويقتل بدم بارد ويهرب بغنائمه في لمح البصر، بل ويجلس بالساعات على المقاهي في شارعي 15 مايو وحسني مبارك في نجع حمادي بجانب الكنائس، لا يخشى من القبض عليه برغم جرائمه ورعب الأهالي منه. أصبح من السهل تأجير "حمام" لمن يدفع أكثر، في حين أن الأجهزة المسئولة تتركه ليأكل عيشه، فقد اعتادت ألا تقطع رزق أحد! لماذا يحملون الاسلام جرائم بلطجي دخل عالم الجريمة لمحاربته؟!.. ولماذا يتحمل المجتمع المسلم كتابا أبيض يميز غيرهم عنهم، لأن بلطجيا يعرفه القمص كيرلس جيدا، ويعرفه نواب الوطني بنجع حمادي وبهجورة وأبو تشت ودشنا، وأخذ عرق جبينه منهم في مهمات سابقة، غير اتجاه الطبنجة مستجيبا لاغراء مالي أفضل؟! آية ذلك أن كيرلس قال بعد القبض على حمام مع شريكيه في الجريمة البشعة، أن ذلك لا يكفي، مطالبا بالقبض على من أستأجره ودفع له، وإلا سيتكرر ما حدث لأن المجرم الحقيقي مطلق السراح، والبلطجية كثر. إذا غُيب "حمام" في السجن ثم الاعدام، سيأتي حمام جديد، فما أكثر "الزغاليل" التي تبحث عن حقوق الرعاية! الزغاليل للأسف موجودة تحت الرعاية أيضا في جبال نجع حمادي من الشرق والغرب، تنزل بسهولة لزراعات القصب الملاصقة، وتتجول في المدينة والمدن المجاورة، وهي التي ساعدت في القبض على "حمام" عندما رفضت صعوده الجبل للاختباء، فقد احترق "كارته" وانتهت مهمته، وينقص فقط أن يظهر فيديو على قناة الجزيرة يعلن فيه مطاريد الجبل عن تسمية "حمام" جديد! منذ سنوات بعيدة تم تعيين أحد قادة الكلية الحربية محافظا لقنا، فقام بتطهير كل جبالها من المطاريد وزعيمهم "الخط" في عمليات عسكرية برا وجوا، واجهت مقاومة شديدة بأسلحة ثقيلة، لم يسأل أحد عن كيفية وصولها للجبال. في عهد الحزب الوطني الميمون عاد المطاريد ليسكنوا "تورا بورا" قنا من أبو تشت حتى الدير البحري، فمهمة الأمن لم تعد حماية الناس والسهر عليهم. إنها الفوضى التي تضرب مصر من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال في ظل انهماك السلطة ورموزها في الكنيسة الارثوذكسية والأزهر لتحقيق هدف واحد لا يسبقه ولا يوازيه أي هدف آخر! كارثة وطن يجب أن يتشارك في الخروج منها المسلمون والمسيحيون، وهذا يتطلب أن يتسامي الشركاء فوق الطائفية والتمييز والجيتوهات والانعزال ومخاطبة القوى الخارجية مع كل أزمة مصطنعة.