لم يعد في الوقت متسع نضيعه في التلكؤ على أبواب التغيير، ولا فرص التغيير السانحة تأتي كل يوم، ولا هي متوافرة في الأسواق لمن يريد وقتما يريد، والفرصة سانحة للتغيير الآن، ولا أحد عاقل يتصور أنها ستبقى سانحة إلى الأبد، فكما أن لكل فرصة رجالها المؤهلين لأن يمسكوا بها، فإن لكل فرصة وقتها، لا يمكن لأحدٍ أن يسبقه، كما لا يمكن لأحدٍ أن يستبقيه! والباقي من الوقت يستحث كل قوى التغيير في مصر إلى تسريع الإيقاع وحث الخطى إلى أهدافها، ولم يعد هناك وقت نضيعه في أوهام جرينا وراءها طوال ربع قرن فلم تثمر في أيدينا غير الحصرم! أهل الحكم في مصر أعلنوا عن نواياهم وخططهم السياسية في المرحلة المقبلة، وليس من بينها كل ما طالبت به القوى والأحزاب السياسية على مدار الثلاثين عاما الماضية، ليس من بينها - على سبيل المثال- إطلاق حق تكوين الأحزاب، بل زادت القيود التي تكبل حق تشكيل الأحزاب وزادت المخاطر التي تهدد استمرار الحزب حين نشأته، وليس في نية أهل الحكم إطلاق حق إصدار الصحف، بل قيدوا حق الأحزاب في إصدار الصحف وحددوها في صحيفتين، ولا يبدوا أنه يدخل في تفكير أهل الحكم أن يلغوا المواد التي تجيز حبس الصحفيين في قضايا النشر، بل فعلوا العكس وأضافوا إلى العقوبات مادة تجيز حبس الصحفيين إن هم تجرأوا على نقد المرشحين في الانتخابات، وهو ما يعطي حصانة للمرشح من النقد، وغلظوا فيها العقوبة ليرتدع الصحفيون عن التفكير في نقد من لا يريد أهل الحكم نقده، وإلغاء قانون الطوارئ ليس على قائمة أولويات الحزب الحاكم، وليس من بينها إطلاق سراح المتبقين من جيل كامل من شباب مصر قضى زهرة عمره في السجون والمعتقلات في ظل أسوأ الأوضاع! لو أن في نية أهل الحكم - ولو بنسبة واحد في المائة- أن يسمحوا بإطلاق حرية تكوين الأحزاب لكان هذا هو وقت التنفيذ، وهم في أمس الحاجة إلى تحسين صورتهم أمام الداخل المتيقظ وأمام الخارج المتحفز! لو أن في نية أهل الحكم - ولو بنسبة أقل من الواحد في المائة- أن يفتحوا أبواب التعبير والتنظيم أمام القوى السياسية لفعلوها الآن، وهم في أشد حالات الحاجة إلى الرضا السامي الأمريكي ضمانا لبقائهم واستمرارهم! أهل الحكم يثبتون بالقول والفعل أنهم عصيون على الإصلاح، وكل القوانين التي دخلت إلى مجلس الشعب وخرجت منه كما دخلت بلا تعديل يذكر، تشير إلى انعقاد نية أهل الحكم على أن يبقى الحال كما هو عليه، مع تصعيب الطريق أمام إمكانية الاعتراض عليه، وكل مشاريع القوانين التي حجبت عن الدخول إلى مجلس الشعب تؤكد بما لا يدع مجالا للشك في رفض النظام لأي إمكانية للإصلاح! هذه أضعف لحظات النظام الحاكم بعدما فقد الحد الأدنى من القبول الشعبي بوجوده، وتلك لحظة التغيير المناسبة، أم مطلوب منا أن ننتظر ثلاثين عاما أخرى يعاد فيها التجديد للرئيس، ثم تورث فيها الرئاسة لنجله، ولا يتبقى لنا غير أن نضع أيدينا فوق الخدود في انتظار أن يضعف النظام من جديد، أو بانتظار لحظة تغيير مواتية قد لا تجيئ! أول طريق التغيير أن تعقد قوى التغيير العزم على ألا تفوت منهم الفرصة السانحة، وأول قوانين الإمساك باللحظة أن يتعاملوا مع أهل الحكم بمثل ما يتعاملون به معهم، فأهل الحكم لا يعترفون بوجود أحزاب مثل الكرامة والإصلاح والشريعة والإخوان، ومن هنا يبدأ التغيير، من إعلان الوجود الواقعي لتلك الأحزاب! من ناحيتي لا أفهم أن يؤكد قادة الإخوان - وغيرها من القوى الساعية إلى الشرعية- على أنهم لا يعترفون بلجنة الأحزاب باعتبارها غير دستورية، ثم لا يتوقف سعيهم من أجل أن ينالوا اعترافا منها بوجودهم، ولا أفهم أن نتحدث جميعا عن سقوط شرعية النظام ثم نسعى جاهدين إلى أن يعترف بنا عبر آليات وضعها هذا النظام الذي نشكك في شرعيته! لا مصلحة لأحد في أن تخصم قوة الإخوان من المعارضة، أياً كانت، وسواء كانت بالحجم الذي يتحدث عنه الإخوان تضخيماً من قوتهم، أم بالحجم الذي يتحدث عنه الآخرون تقليلاً من هذه القوة، فلا أحد ينكر أن الإخوان قوة موجودة لها فاعليتها ولها تأثيرها فضلا عن حضورها، وهم مثل غيرهم لهم ما يحسب في خانة التوافق الوطني، وعليهم ما على غيرهم في خانة محاولات الإنفراد بالشارع السياسي، ومن غير المسموح- وطنيا- أن تلعب بعض أطراف المعارضة اللعبة نفسها التي تلعبها الحكومة، وتقود بقية قوي المعارضة للحيلولة دون الوجود الشرعي لتيار الإسلام السياسي بالجملة، وجماعة الإخوان المسلمين على التخصيص! ومن موقع المخالف للإخوان المسلمين أوافق على إضفاء الشرعية على جماعتهم بالصورة المقبولة منهم، وإن كنت أؤيد قطع شوط الاعتراف بشرعية تواجد وتأثير الإخوان المسلمين كله دفعة واحدة، وليكن لهم حزبهم السياسي المستقل المعبر عن أفكارهم وبرامجهم. نعم نحن مع إعلان حزب سياسي للإخوان المسلمين يحترم دستور البلاد، ولا يميز بين المصريين بسبب الدين، وعلى أساس من الاعتراف بأن برامجهم ورؤاهم ليست إلا اجتهادا، ولو كانت مرجعيته إسلامية، فانتقاده لا يعني انتقادا للإسلام، وكونه اجتهاد يعني أنه لا يحجر على اجتهادات أخرى ذات مرجعية إسلامية. والرأي نفسه مع كل الحركات ومشاريع الأحزاب التي دخلت ثلاجة لجنة الأحزاب فلم تخرج منها ولن تخرج إذا فاتت هذه اللحظة أو إذا ضيعناها.. أمل الناس كبير في المعارضة، ومن ناحيتي أضع يدي علي قلبي خوفا من تبقى قوى التغيير محلك سر ! [email protected]