«عيد الأب».. 3 سنوات ولا زالت الفكرة لم تر النور «عيد الصحفيين».. كتّاب صاحبة الجلالة ذابت أقلامهم «عيد المعلم».. من أجل تغيير الصورة النمطية «عيد العيلة».. «أبوالعروسة» صاحب الفكرة ربما كانت مصر واحدة من أكثر الدول التي تحتفل بأعياد ومناسبات قومية مختلفة، لكن هذا على ما يبدو كافيًا مع تزايد المطالبات والمقترحات خلال الآونة الأخيرة، بإضافة "مناسبات جديدة"، أو بالأحرى "أعياد" خاصة بفئات مجتمعية مختلفة، بعضها كان موجودًا من قبل، لكنه اندثر بعد أن طواه النسيان منذ سنوات طويلة. برزت تلك المطالبات خصوصًا بين الصحفيين، والمعلمين، الذين يطالب كل منهم بتخصيص يوم سنويًا للاحتفال به، إلى جانب المطالبة بتخصيص يوم للاحتفال بالأسرة، بحثًا عن الروح الاجتماعية الغائبة عن المجتمع، وتحقق الدفء في العلاقات الإنسانية. عيد الأب الفكرة طرحت فى مارس 2016، عندما قدم ياسر محمد عبدالوهاب، مدير "منظمة الحياة لحقوق الإنسان" آنذاك، طلبًا رسميًا لوزيرة التضامن الاجتماعى غادة والى، بتخصيص يوم للاحتفال بعيد الأب، أسوة بعيد الأم. وقال عبدالوهاب، إن المقترح تم إرساله إلى وزيرة التضامن، لتحديد يوم الاحتفال على مستوى الجمهورية، مشيرًا وقتها إلى أنه يعتزم رفع دعوى قضائية للمطالبة بالموافقة على تحديد يوم فى السنة للاحتفال بالأب المصرى، يسمى "عيد الأب" أسوة بعيد الأم نظرًا لدور الأب فى بناء الأسرة المصرية وامتثالًا لقوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا". وأكد أن المئات من الآباء تواصلوا معه لمطالبته بالانضمام إلى الدعوى، حيث وصل عدد المتضامنين معه في الدعوى إلى 16 ألف شخص، موضحًا في الوقت ذاته أن "إدارة الأسرة والطفولة بالقاهرة أرسلت مذكرة بالفكرة تحمل رقم (1709) إلى رئاسة الجمهورية للبت فيها". عيد العيلة اقتبس المطالبون ب "عيد العيلة"، الفكرة من مسلسل "أبو العروسة" الذى حظي بنسبة مشاهدة عالية بين المصريين، بعد أن تناول قضايا من صميم المجتمع المصري. وخلال الحلقة الأخيرة من الجزء الثانى، طالب هانى كمال، مؤلف المسلسل، الحكومة بتخصيص يوم فى السنة لجمع شمل العائلات بعيدًا عن حياة "السوشيال ميديا" على أن يوافق الخامس من شهر مايو. وحظيت بالفكرة برواج واسع بين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، آملين أن توافق الحكومة على تخصيص يوم للاحتفال ب "عيد العيلة"، وأن تعتمده "إجازة رسمية" لتجميع شمل العائلات. وأبدى 265 ألف شخص اهتمامه بالحدث، وقال أحدهم: "مجتمعنا المصرى مسلم ومسيحى هيجتمع اليوم ده هنشارك بعض فى يوم للذكرى من عيلتك من أصحابك من أحبابك من الناس اللى اتعرفت عليهم فى حياتك والشخصيات المشهورة اللى بنشوفها على السوشيال ميديا فقط الدعوة للجميع". وعلق آخر: "هى فكرة كويسة جدا بس المشكلة أن فيه فى أغلب العائلات أشخاص رحلوا ومحدش هيعوض غيابهم ولا مكانهم أبدا هم دول كانوا العيد بالنسبة لينا". بينما رأى ثالث أن "يوم العيلة فكرته جميلة هتقرب الناس من بعضها وتواصل الأرحام والمودة للأسف كلهم راحوا فى زمن الميديا والفون طول الوقت نقول لنفسنا إن شاء الله نبقى نزورهم نبقى نكلمهم ولا بيحصل مع توهة الدنيا ومشاغلها بس تحديد يوم زى كدا هيسهل علينا كتير". عيد الصحفيين برزت مطالبات بين الصحفيين بتخصيص يوم للاحتفال ب "عيد الصحفيين". وقال حماد الرمحى عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن هناك تداولاً للفكرة بين الكتاب والصحفيين الكبار هذا المقترح. وأضاف: "هذا حلم يراود نحو 13 ألف صحفى وهبوا حياتهم لخدمة الوطن فى بلاط صاحبة الجلالة، بعد أن سقط سهوًا من ذاكرة الحكومة ففى الوقت الذى تحتفل به الدولة المصرية بعيد الشرطة، وعيد القضاة، وعيد المعلم، وعيد العمال، وعيد الفلاح، وعيد الإعلاميين، وغيرها من الأعياد التى تعترف بها الحكومة وتشارك فى احتفالاتها، وفى المقابل لا تعترف بعيد الصحفيين، رغم أن الصحفيين هم صناع تلك الأعياد، وأحد أسباب ظهورها للرأى العام الداخلى والخارجي، والاعتراف بعيد للصحفيين هو اعتراف بالدور الريادى للصحفى فى خدمة المجتمع فى مجالات التعليم والتثقيف والترفيه والتنمية، فالصحفى هو المسئول الأول عن عملية التثقيف العام ونشر الوعي، ودعم مشاريع التنوير وتأهيل المجتمعات". وتابع: "أما عن أنسب موعد لعيد الصحفيين فهو ذكرى وفاة الكاتب الصحفى القدير أحمد حلمى جد الشاعر الكبير صلاح جاهين، وصاحب ميدان أحمد حلمى الشهير، والذى يرقد تمثاله بنقابة الصحفيين، ولا تعرف الأجيال الجديدة شيئًا عن تاريخه النضالى ضد الاحتلال الإنجليزي، حيث يعتبر حلمى الصحفى الوحيد الذى انفرد بتصوير ونشر تفاصيل حادثة دنشواى وشن حملة دولية ضد كتائب اللورد كرومر القاتلة، وكان من نتائج حملة الراحل أحمد حلمى قيام سلطات الاحتلال والقصر الملكى بالقبض عليه وتقديمه للمحاكمة بتهمة هى الأولى من نوعها فى تاريخ القضاء والصحافة المصرية وهى تهمة العيب فى الذات الملكية، وعلى أثر ذلك تحولت حادثة دنشواى إلى أيقونة الكفاح ضد الاستعمار الإنجليزى بعد أن جذبت مقالات أحمد حلمى العديد من الكتاب والصحفيين الأوربيين وفى مقدمتهم الكاتب الإنجليزى الكبير جورج برنارد شو، الذى شن حملة ضد الإمبراطورية البريطانية أججت ثورة الإنجليز وكان من نتيجتها قيام الحكومة البريطانية بعزل اللورد كرومر". عيد المعلم فى رسالة موجهة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، أكد خلف الزناتى، نقيب المعلمين، ورئيس اتحاد المعلمين العرب، أن "نقابة المهن التعليمية تطلب من الرئيس عبدالفتاح السيسى عودة الاحتفال بعيد المعلم كتقليد سنوى يكرم فيه الرئيس النماذج الناجحة التى يذخر بها مجتمع المعلمين، وكل من قدم فكرة إبداعية أو أثر بصورة إيجابية على طلابه". وأضاف: "المعلم يؤثر بشكل مباشر فى بناء شخصية تلاميذه وطلابه، وبث الأخلاق والقيم الحميدة فى نفوسهم، والمعلمون فى حاجة إلى تقدير معنوى، خاصة عندما يأتى من الرئيس عبدالفتاح السيسي، لما له من حب فى قلوب كل المصريين، ويمنحهم طاقة إيجابية كبيرة لاستكمال رسالتهم السامية فى تعليم أبنائنا الطلاب". وأشار إلى أن "نقابة المهن التعليمية نشرت فى عددها الأخير من مجلة الرائد المتخصصة فى شئون المعلمين، مطالب بعودة الاحتفال بعيد المعلم لتصحيح الصورة الذهنية السلبية التى صنعتها الدراما والسينما على مدار عقود من تشويه صورة المعلم". توطيد العلاقات الاجتماعية قالت الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن "الدعوات لاستحداث أعياد جديدة وإحياء أخرى انطلقت بسبب الافتقار إلى العلاقات الاجتماعية، وغياب الود بين أبناء الأسرة الواحدة، فضلاً عن الانشغال بهموم الحياة الذي تراجعت بسبب علاقات الصداقة داخل المجتمع". وأضافت ل"المصريون"، أن "هذا الافتقار جعل الناس يحاولون ويجتهدون للبحث عن مناسبة تخلق تفاعلًا اجتماعيًا ظاهرًا وملموسًا، نتيجة لغياب اللقاءات والتجمعات الاجتماعية المختلفة، ما جعلهم يبحثون عن أى شيء يضفى تجديدًا ويحقق تقاربًا إنسانيًا". وحول تخصيص أيام للاحتفال بالصحفيين والمعلمين أو أى فئة عمالية، رأت أستاذة علم الاجتماع أن "هذا لا يمثل إضافة لهذه الفئات أو تلك، المجتمع لايوجد لديه درجة كبيرة من التميز فى هذه المجالات لتخصيص أعياد لها ومناسبات، فكل هذه المهن متشابهة إلى حد كبير فى الجهد والنتائج". وأكدت أن "التكريم لأى إنسان أو فئة يأتى من خلال إنجازاته وأعماله ومدى تأثيره فى المجال المتخصص فيه ومدى استفادة المجتمع منه". من جانبه، قال الدكتور حسن الببلاوى، أستاذ علم الاجتماع، والأمين العام للمجلس العربى للطفولة والتنمية سابقًا، إن "اجتماع العائلة بشكل عام أمر تفتقد إليه الأسر المصرية فى العصر الحالي، نتيجة التكنولوجيا وتوافر أدوات الاتصال بسهولة، والتي يتم الاستعانة في التواصل بين الأهل والأقارب". وأضاف ل"المصريون"، أنه "في ضوء التطورات التي يشهدها المجتمع، يفتقد غالب الأفراد إلى دائرة الاجتماع، سواء على المستوى الأسرى وحتى المهنى، فكل فرد مشغول بالهاتف الذى بين يديه، ويعمل على تحسين مستواه المادى والمعيشى، لذلك عودة التجمعات المهنية والأسرية تحتاج إلى حسم من الوالدين منذ الصغر، حتى يهتم الطفل منذ البداية بأولوية التواصل، وتقوية صلات الأرحام التى تبعث راحة نفسية للروح الإنسانية". وتابع: "من الصعب إمكانية عودة لمّ شمل العائلة المصرية، لأن العادات اليومية باتت تتسم بالصعوبة، مع ظهور التقنيات الحديثة وانشغال الأبناء فى تطوير ذاتهم دون وجود مساحة للعائلة لديهم، بالإضافة لضغوط الحياة بالنسبة للآباء، حيث يعمل الأب أكثر من مهنة، وكذلك الأمهات تعمل فى مجالات عديدة للتخفيف من على كاهل الآباء". واستدرك الببلاوي قائلاً: "المشكلة بالنسبة للجيل الجديد الذى أصبح أسيرًا لوسائل الاتصال الحديثة، وافتقاد روح الاجتماع سواء فى العمل أو وسط الأسرة، وهو ما يشكل دافعًا لدى الكثيرين من أجل عودة الروح إلى النسيج المجتمعي، إلى جانب التعاون العملى والتآخى بين أبناء المهنة الواحدة".