المصريون بعد ثورة يوليو 52 كانوا يرون أن "الناصرية" بالنسبة لهم هي "نهاية العالم"، مثلما اعتبر (فوكوياما) في انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتصار الولاياتالمتحدةالأمريكية في الحرب الباردة، "نهاية التاريخ"! الانتصارات سواء أكانت حقيقية أو "هوليودية"، تنقل الوعي العام إلى آفاق من الصوفية السياسية، تعتقد "الكمال" في "الدولة" إن كانت ديمقراطية أو في "الزعيم" إن كان ديكتاتورية هذا الاعتقاد قد ينتصر في النهاية على "الواقعية السياسية" ويتحول مع الوقت من مجرد "الاعتقاد" بالكمال إلى "اليقين" بالخلود.. ففي مصر (الخمسينيات والستينيات) عرف "الزعيم الخالد" وفي ليبيا (القذافي) اتشحت البلاد والمراسلات الرسمية بشعار "الفاتح أبدًا"! بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان عام 1988 وسقوط جدار برلين عام 1989، وضع (فوكوياما) كتابه "نهاية التاريخ" عام 1993. والكتاب عرف فقط بالشطر الأول من اسمه: "نهاية التاريخ"، وفي الأصل عنوانه هو (The End of History and the Last Man ) ولم يلتفت الناس إلى الجزء الثاني من العنوان وهو "الإنسان الأخير"، على الرغم من خطورته وأهميته. الحدثان الكبيران، حملا (فوكوياما) على الاعتقاد بأن التاريخ توقف تمامًا، بانتصار النموذج الرأسمالي الليبرالي الغربي ممثلاً في الولاياتالمتحدة، وبتفوق الرجل الأبيض على كامل الجنس البشري، ممثلاً في المواطن الأمريكي السوبر! وحقق كتابه أعلى مبيعات عام 1993، بعد أن تحول هذا "الاعتقاد" إلى "يقين"! بعد هزيمة يونيو عام 1967انتهت ثقة المصريين في "اليقين السياسي" وكتب توفيق الحكيم "عودة الوعي" عام 1972 أي بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وبالمثل.. بعد سبتمبر عام 2001، دفن تحت أنقاض برجي التجارة المدمرين، "يقين" الأمريكيين والأوربيين ب"الدولة السوبر"، ووضع الفرنسي (ايمانويل تود) كتابه "ما بعد الإمبراطورية" عام 2004 وكتب الألماني (لوثر كامب) عن "حفلة الدولار انتهت" عام 2005، بعد الانهيار المطرد للجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق. عصر اليقينيات السياسية انتهى، وليس ثمة شيء يمكن التكهن به على وجه اليقين، لأن لا شئ يبقى على حاله: فسنة التدافع والاستبدال وتداول الأيام بين الناس ستبقى إلى يوم قيام الساعة، وهي سنن تبطل كل ما هو "يقيني" في عالم السياسة :" سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ? وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" الفتح 23 [email protected]