لدي شعور بأن هناك حملة لنبذ "مفهوم الخلافة" وليس تصحيحه، بل هو فضح علني لمن يسعى لترويجه وتفسيره في اتجاه العنف، وقد يكون بعضهم محقاً فيما يفعله وخصوصاً بعد الأحداث المتلاحقة في المنطقة، ولكن ما لفت انتباهي ما قرأته من مقالات للأستاذالصحفي المحترم "محمود سلطان" حول "الخلافة" ومحاورها من وجهة نظر بعض الجماعات الإسلامية والتي تحولت إلى حقنة لتخدير العوام لتحقيق أهداف مؤقتة ومصالح من وراء التسويق له، بجانب تأويل متنوع لبعض الأحاديث النبوية الشريفة، للدرجة التي جعلت إحدى الحركات تقتنع تمام الإقتناع بأن الخلافة انطلقت بالفعل وبأنها باقية وتتمدد حتى تحقق مرادهم وقد تمددت"زيادة عن اللزوم" ف تمزقت شرنقة خلافتهم المنتظرةوخرجت من التاريخ بعدما أفسدت الجهود وأحدثت الخلل وشوهت صورة المسلمين أمام الأمم والأفراد ممن يريدون معرفة حقيقة "الدين الحق". أما مغانم خلافتهم المزعومة بعد عمليات الذبح فكانت حصاد لأطنان من الذهب النقي والملايين من الدولارات والآثار الثمينة النادرة، جميعها استلمته الولاياتالمتحدة"ملفوف لفة جاتوه"حسب تقارير" وذلك بعد حصار من كل اتجاه شاركت فيه حركات إسلامية أخرى تسعى للخلافة أيضاً، فإن صدقت هذه التقارير فلا داع للتفكير أو تذكر هذه الأشياء لأنها من الغرائب والعجائب. ترى بعض الحركات التي وضعت أقدامها على أرض ثابتة بحكم حصولها دعم معنوي أو مادي، لغرض إعادة "الخلافة" المنتظرة، وتحركوا في مساحات بهدف قتل "المرتدين- حسب زعمهم" من العساكرالمصريين الغلابة والضباط كونهم "جند الطاغوت"، تراهم لم يفهموا للحظة فقه الأولويات ومقاصد الشريعة في عصر الحروب الإلكترونية والنفسية والإعلامية، ولم يفكروا للحظة بأنه لا توجد دولة عربية الآن محتلة عسكرياً من دول أجنبية، بل هو احتلال من نوع آخر يستبيح العقول والنفوس والثروات، فتجد فرق متناحرة من نفس البلد ويحملون نفس الهوية، ولكن كل طرف يمثل جهة أو دولة ثم يقتلون بعضهم بحجج واهية، بينما اختار "جند الخلافة" بأن يلعبوا دور آخر ك التعجيل بخروج "الإمام المهدي" أو استدعاء علامات الساعة، أو لعب دور الفقاعة العسكرية لاختبار قوة الدول وهشاشتها. فالوطن ليس مجرد حفنة تراب بل هو الأرض التي ابتعثت فيها النفس وتشكلت فيها الفطرة واستوى عليها الطبع فتجد نفسك تدافع عنها تلقائياً دون ترتيب، حتى وإن خسرت مصالح، وقد تضحي من أجلها في حرب وعدوان، يخبرنا صلى الله عليه وسلم عن قيمة الأرض فيقول "والله لإنك لأحب البلاد إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، لولا أنهم ظلموه وأرهقوه وضيقوا عليه ما خرج من أرضه التي ارتبط بها، نحن أيضاً ظلمنا في بلادنا ولكننا نحبها أكثر من أي أحد، بغض النظر عن نفوس الحكام وسوء تقييمهم وتقديرهم، ولكنها بلادنا في النهاية. إذن.. ما قاله الأستاذ "محمود سلطان" يحوي تغطية منطقية للواقع، غير أني اعترض على مصطلح "إسلاموي" فأتذوقه وكأن الموصوف "مدعي الإسلام – وليس بالمسلم"، لكنها أفكار قيًمة ومميزة وتفتح آفاقا من التفكير والتدبر والتدقيق في الواقع الذي نعيشه، فلا يعقل بأن تجد فئة تسعى للخلافة ولم يصنعوا في حياتهم "رقاقة كمبيوتر"، وتجدهم يقسمون الكون الذي خلقه الله في ستة أيام إلى "أبيض وأسود" و"حق وباطل" دون النظر بأن الحق ليس معصوماً من الخطأ، وبأن الباطل ربما لم يصله الحق، وربما لا يكون الحق حقاً أو يكون الباطل باطلاً لأن تقييمات البشر غير مؤكدة، فالحقيقة الكاملة لا تليق إلا بوجه الله عز وجل. في الماضي كانت الحرب بارزة بين "دار الكفر ودار الإيمان"، بينما ما يحدث الآن بين المؤمنين يطلق عليه "فتنة" وقد يكون أحدهم أكثر ظلماً للآخر ولكن لا يمكن تكفيره، ففي زمن لا يعرف المظلوم لماذا ظلم، يستمر مسلسل هزلي من المصطلحات المعقدة والتأويلات والتفسيرات الغريبة والتي تظهر عدم اكتراث هؤلاء بقيمة الإنسان وحرمانية الدم، بل وعاقبة الإعتداء بغير الحق سواء بالقول أو الفعل، وهم لا يدركون بأننا نحن عوام الناس نحتاج إلى من ينتشلنا من ظلام الجهل إلى النور الإلهي ومعرفة الحق عز وجل والسعي لأداء دور إيجابي في هذا الكون الفسيح، أما الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والتي وعد بها النبي في نهاية الزمان، فدعوها تأتي ولا تستدعوها برعونة فيأتي لكم شىء آخر. [email protected]