31 مارس الماضى مرت علينا الذكرى 178 لميلاد الزعيم أحمد عرابى لم يتذكره أحد بالقدر الذى يناسب دوره فى تاريخ مصر الحديث ولو تابعت الإعلام فى هذا اليوم لرأيت كيف كان الاحتفاء بالمطرب عبد الحليم فى ذكراه.. راديو ,فضائيات ,كتاب أعمده يومية وأسبوعية.. ولعل ذلك يتماشى ما ذهب اليه الصحفى إبراهيم عيسى والكاتب يوسف زيدان من الذهاب بعيدا فى الحط من شأن الزعيم الوطنى الكبير وهو أيضا ما يتماشى مع خطهما الثابت فى تطاولهما على الثوابت الدينية والوطنية(قد يأخذك البحث فى سبب ذلك التطاول الى اتجاهات مخيفه ؟!) ..قد تكون الرغبه فى الشهرة ومخالفة السائد مفهومة عند بعض الأشخاص وتجاه بعض الموضوعات ..لكننا لم نجد أحدا بالصورة التى عليها الأستاذان عيسى وزيدان خاصة تجاه ما هو دينى ووطنى. قالا أن وقفة عرابى أمام الخديوى توفيق لم تحدث نهائيا وأنها وهم ..هذا ليس تطاولا على الزعيم عرابى ولا الثورة وقتها ..هذا تطاول على المصريين اجيال تلو أجيال,, قد يكون كلاها أو أحدهما محملا بكراهية شديدة للمصريين ودينهم وبلادهم..لكن لا يصل الأمر لنفى حادثة قصرعابدين التى أكدتها مئات الوثائق والشهادات الإنجليزية والفرنسية والمصرية ومنها تقارير قناصل أجانب حضروا وشهدوا وما ذكره أيضا الشاعر والمستشرق الإنجليزي سكاون بلنت في كتابة الشهير(التاريخ السرى لاحتلال إنجلترا لمصر)الذى راجعه الشيخ محمد عبده والكاتب الكبيرعبد القادر حمزة. لايمكن تجاهل الإجماع الشعبى الكبير الذى احتضن حركة عرابى فى كل مراحلها ؟؟هل نغفل أن كبار رجالات الأمة وأعيانها الذين دعموها وساندوها فى اجتماعهم الشهيربوزارة الداخلية والذى تقدمه شيخ الأزهر/قاضي قضاة مصر/ ومفتيها/ ونقيب الأشراف /وبطريرك الأقباط/وحاخام اليهود /والنواب/ والقضاة والمفتشون /ومديرو المديريات/ وكبار الأعيان/ وكثير من العمد/ فضلا عن ثلاثة من أمراء الأسرة الحاكمة ؟؟من الصعب القول بأن كل هذا الحراك الذى شارك فيه كل هؤلاء القادة والرواد والعلماء بأنه (هوجة عرابى). الحكاية ببساطة انه بعد تزايد التدخل الأجنبي في شئون مصر بعد صدور قانون التصفية عام 1880ولرفض تشكيل مجلس شورى و نواب/ وبعد الضيق والتذمر من سياسة عثمان رفقى وزير الحربية واضطهاده للضباط المصريين تقدم أحمد عرابى وكانت له هيبته وقامته كقائد مصرى بالجيش _تقدم_ مع مجموعه من زملائه للخديوى توفيق بطلب لترقية عدد من الضباط المصريين وعزل رياض باشا رئيس مجلس النظار(الوزراء) وزيادة عدد الجيش المصري الى 18 الف جندى.. لم يتقبل الخديوى هذه المطالب فى بداية الأمر ثم ما لبث ان تأكد من التفاف الشعب حول عرابي وأن الأمر ليس مجرد هوجة عسكرية من بعض الضباط فوافق على كل هذه المطالب وتم عزل رياض باشا وتعيين محمد شريف باشا (أبو الدستور) والذى ألتقى مع الثورة فى كثير من مطالبها وتشكلت بذلك أول وزارة وطنيه في تاريخ مصر الحديث وتم تعيين محمود سامي البارودي ناظرا للجهادية(وزيرا للحربية) وهو أول مصري يتولي هذا المنصب ..لكن الأحداث تطورت على نحو معقد فاستقال شريف باشا وتشكلت وزارة جديدة برئاسة محمود سامى البارودى كان فيها الزعيم احمد عرابى وزيرا للحربية. وسرعان ما حدث خلاف بين الخديوي ورئيس الوزراء فاشتدت الأزمة وتعقد الحل ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف فرصة للتدخل فبعثتا بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار التى قد تحدث..و لم يكد يحضر الأسطولان الإنجليزي والفرنسي إلى مياه الإسكندرية حتى أخذت الدولتان تخاطبان الحكومة المصرية بلغة التهديد ثم كانت الوقاحة بعينها حين تقدم قنصلا الدولتين إلى البارودي بمذكرة يطلبان فيها استقالة الوزارة وإبعاد عرابي عن القطر المصري مؤقتا مع احتفاظه برتبه ومرتباته رٌفضت المذكرة باعتبارها تدخلا مهينا في شئون البلاد وطلبت الوزارة من الخديوي توفيق التضامن معها في الرفض إلا أنه أعلن قبوله لمطالب الدولتين..!! كانت مفاجأه سيئة.. وعليه قدم البارودي استقالته من الوزارة وقبلها الخديوي. لكن حامية الإسكندرية أعلنت أنها لا تقبل بغيرعرابي ناظرا للجهادية ووافق الخديوي على طلبها وكلفه بحفظ الأمن في البلاد لكن الأمور ازدادت سوءا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية (مقتل 50 أوروبيا من جنسيات مختلفة وأحد الضباط الانجليز) ووجدت إنجلترا في أحداث الإسكندرية فرصة للتدخل واتهمت عرابى بالتسبب في هذه الأحداث واعتبرته المسئول عن تحريض المصريين ضد الأجانب ومن الغريب أن ذريعة الإنجليز لغزو مصر كانت(الإرهاب).. بدأ الإنجليز في ضرب الإسكندرية ونزلت قواتهم إليها ..في اليوم التالي قرر عرابى أن يسحب قواته منها وأن يتحصن عند كفر الدوار وحين سمع الخديوي بانسحاب عرابى ..أعلن عرابى متمردا وأستقبل في قصرالرمل بالإسكندرية قائد الأسطول البريطاني وجعل نفسه وسلطته رهن تصرفه وعزل عرابي من منصبه الذى لم يمتثل للقرار واستمر في عمل الاستعدادات في كفر الدوار لمقاومة الإنجليز وانتصر بالفعل فى معركة كفر الدوار..و أرسل إلى يعقوب سامي(وكيل وزارة الحربية) يدعوه إلى عقد اجتماع للجمعية العمومية لمجلس الشورى /النواب للنظر في قرار عزله.. عٌقد الإجتماع وحضره نحو خمسمائة من الأعضاء يتقدمهم شيخ الأزهر كما ذكرنا أولا و أفتى ثلاثة من كبار شيوخ الأزهر:الشيخ عليش/والشيخ العدوي /والشيخ الخلفاوي بمروق الخديوي عن الدين لانحيازه إلى الجيش الإنجليزي المحارب لبلاده و أصدرت الجمعية قرارها بعدم عزل عرابي عن منصبه ووقف أوامر الخديوي وعدم تنفيذها لخروجه عن الشرع الحنيف والقانون المنيف..ودعوا الشعب كله الى الجهاد العام ..وحدث ما نعلمه جميعا بعدها من خيانات وهزيمة. وتمت محاكمة أحمد عرابي وحكم عليه بالإعدام وتم تخفيف الحكم إلى النفي مدى الحياة فى(سيلان) وقام الأسطول البريطاني بنقله وعدد من رجال الثورة(البارودى ونديم وغيرهم..) وعادوا الى مصر بعد 20 عاما . من أفضل الكتب التى صدرت عن الزعيم عرابى كان كتاب(عرابى المفترى عليه) للأستاذ محمود الخفيف الذى كثيرا ما يتحدث عنه العلامة المستشار طارق البشرى باحترام وإنصاف..يقول الاستاذ محمود الخفيف: مهما يكن في الأمر فما أحسب أن في الناقمين على عرابي من يستطيع أن يماري في أنه كان زعيم حركة وداعية فكرة وأنه - أخطأ أو أصاب - كان مخلصاً فيما يفعل أو يقول وأنه قبل ذلك كله وفوق ذلك كله كان أول مصري فلاح في مصر الحديثة نجم من بين عامة الفلاحين في قرية من قرى مصر فاضطلع بقضية من القضايا الوطنية الكبرى)..وعلق الأستاذ العقاد على الكتاب فى مجلة الرسالة وقتها مؤكدا ما ذهب اليه الأستاذ محمود الخفيف وقال :ومما لا شك فيه أن زعيم الثورة المصرية في القرن التاسع عشر قد أصاب وأخطأ وقد نجح وأخفق وقد أحسن وأساء. ولكنه لم يكن قط خائناً متواطئا مع الإنجليز على مصلحة وطنه كما افترى عليه خصومه وإنما خانه التوفيق كما خانه بعض أعوانه وكان تصرف الإنجليز معه بعد إخفاقه تصرفا طبيعياً لا غرابة فيه إذا رجعنا إلى المعهود من سياستهم ومن خططهم في معاملة أمثاله فهم لم يرفعوا عنه العقوبة القصوى لتواطؤه بينهم وبينه قبل الثورة العرابية أو بعدها ولكنهم فعلوا ذلك لأنهم لم يعاقبوا أحداً من الزعماء الوطنيين بعقوبة أشد من عقوبته كما رأينا في مصر والهند والسودان وأفريقية الجنوبية وغيرها من البلدان التي كانت لهم يد في محاسبة زعمائها ولأنهم من الجهة الأخرى كانوا يسوغون احتلالهم لمصر بفساد الأحوال فيها فلم يكن في وسعهم أن يحكموا بأقصى العقوبة على رجل يثورعلى فساد الأحوال..) وأنت تقرأ هذا الكلام وأسماء من قالوه ..تذكر الاسمين اللذين ذكرتهما في أول المقال !.