أخيرًا تهاوت الأقنعة بما يتجاوز الوضوح! أخيرًا تعرت المنظومة الأوروبية/الأمريكية حتى من ورقة التوت! أخيرًا أسقطت حرارة الأحداث كل الماكياج والأصباغ والمساحيق عن وجه " الأبيض الأوروبى الكيوت " الذى يأكل بالشوكة والسكين، ويرقص مع أغنيات "فرانك سيناترا " فى الليالى الحالمة، ويهتز لموسيقى " باخ "، ويملأ المناديل دموعًا لساق قطة مكسورة ! أخيرًا تعطلت آلة الإعلام الأوروبى عن العمل _ فى لحظة مكاشفة و تنوير استثنائية _ فلم يعد بمقدور الكاميرات و الزوايا والأعمدة الصحفية وسيل التحقيقات، أن تنسب الإرهاب الأسود حكرًا حصريًا على "المسلم" و "المهاجر" و "الملون" ! أخيرًا ضبطنا الغرب "متلبسًا" _ حد الافتضاح _ بحقيقته، عنصريًا حقودًا موتورًا، استئصاليًا، يزيح " الآخر " بزخات الرصاص الحى دون ترفق أو رحمة!. كان يمكن لجيوش التبرير فى الميديا الأوروبية _ وتوابعها المنقادة المنبطحة فى العالم العربى _ أن تقوم بعملها فى الطرمخة والتغييب ولى عنق الحقيقة واستعادة حصرية الإرهاب الأسود حكرًا على المسلمين، لكن المجرم الاسترالى، الذى نفذ الجريمة "برينتون تارانت " _ كما عرف نفسه عبر الفيس و التويتر _ لم يدع لهم ثقب فرصة لهذه المهمة التغييبية المعتادة، حيث قام ببث جريمته المنحطة على الفيس مباشرة، بتقنية كاميرا "جو برو" الموصولة بالفيس والمحمولة على رأسه ! كما سبق جريمته الوضيعة بيان ضاف موسع بثه عبر الفيس، يشرعن فيها لخطوته، ويمهد الأجواء للمجزرة، ويعد النفوس لأخس مقتلة عنصرية / دينية، اشتممنا معها رائحة الحملات الصليبية التسع _ المعروفة فى التاريخ _ دون مبالغة!. ظهر التواطؤ فى اللحظة التى أعقبت الجريمة، حيث تخاذلت التغطية الإعلامية _ عربيًا وعالميًا _ بصورة مريبة، وغاب المتأوهون على الضحايا البريئة فى مدينة الإنتاج الإعلامى، وأطلت علينا " الحكمة المفتعلة " و " الهدوء المفتعل المتآمر "، وغاب كورال الإدانة المعتاد، الذى سمعنا لحنه مع الجرائم المنسوبة إلى المسلمين فقط!. لن تستطيع فيالق ولا جيوش جرارة من "المحامين المهرة " أن تدافع عن جريمة إطلاق الرصاص على مسجدين فى مدينة "كرايس تشيرش" النيوزيلندية، أحدهما فى شارع " دينز "، و الآخر فى شارع " لينوود "، حيث تعمد " المجرم " الحقود _ و لا أقول المريض نفسيًا كما يتمنى الخطاب الإعلامى الأوروبى فى التوصيف ! _ أن يختار "يوم الجمعة " برمزيته المستوطنة فى قلوب المسلمين، وبحشوده المتعارف عليها فى المساجد، ليكون عدد الضحايا فلكيًا، يصدر الخوف للمسلمين من أن يدخلوا المساجد فى أوروبا يوم الجمعة مرة ثانية.. و إلا ! الرسالة مقصودة دون خجل، والرعب المصدر مستهدف بشكل عمدى دون أى استتار، وطبيعة العمل وأبعاده تمت دراستها عشرات المرات قبل أن تخرج للوجود بهذا الشكل الكابوسى الصاعق المضفر بعشرات الرسائل السوداء و بهذا " الإخراج " الدموى الذى تم بثه حيًا!. تسعة وأربعون من القتلى _ حتى ساعة كتابة هذه السطور _ بخلاف الجرحى، فضلاً عن " عبوات ناسفة " تم تفكيكها، وتحدث شهود العيان عن سماع صوت أكثر من "خمسين طلقة " فى مهرجان القتل العنصرى / الدينى / اليمينى! كل شيء أيها الكذبة _ من مطايا الإعلام الموجه عربيًا _ كان معدًا، واستبق المجرم المنحط جريمته على المسجدين الحاشدين، ببيان من ثلاث وسبعين صفحة يتوعد فيها دون تردد، ويصدر رسائل الرعب دون حساب أو تقدير لعواقب! كان يعرف، فى دخيلة نفسه، انه يغازل ( وجدانيًا!) تيارًا يمينيًا عريضًا وغلابًا، هو الذى أتى لنا ب " ترامب " و"جان مارى لوبان " و بقية سلالة السفاحين ! و هو " تيار عريض " _ أكرر _ لا ظاهرة محدودة . " لا تحسبوه شرًا لكم "، تمامًا كما قال القرآن الكريم فى "حادثة الإفك "، برغم ما صدرت من ألم و حزن و إيجاع، فقد افتضح الوجه هذه المرة بلا أية رتوش، ونطق الضمير المعبأ بالثأر العنصرى الدينى الأسود، عن أحلامه الدامية بلا مواربة، وسيق النموذج الغربى إلى قفص الاتهام، بشكل متسارع دون أية قدرة على المناورة أو الإفلات، وتصدرت أزمة خطيرة لجوقة " مفتعلى الحكمة " عربيًا ومصريًا، فكانت حكمتهم شاحبة، وكان ترددهم فى إدانة الجريمة المنحطة التى قام بها ممولوهم و أساتذتهم، مقززًا، و كانت هزيمتهم الداخلية و روحهم المعبأ ضد الإسلام وحده عارية، كقنوات " البورنو " التى يبثها " بيرلسكونى " لدغدغة الغرائز!. أدنا مع من أدانوا جريمة حرق "معاذ الكساسبة " يوم فعلتها "داعش" قبل سنوات، وتصورنا أن يتسق المدينون مع أنفسهم، فيسارعوا الآن بإدانة الإرهاب حيث كان، لكن صمتهم _ أصدقكم القول _ فى هذه الساعة كان مريبًا و مقرفًا بدرجة لا تحتمل . بما يؤكد موت ضمائرهم سريريًا، و أن الذى يحركهم " الورقات الخضراء " و " الضمائر المعوجة " وحدها، لا كلمة الخلق أو الدين أو الحس الإنسانى أو وحى الضمائر السوية!. قال لنا المجرم على صفحته على " الفيس "، وقد أطلق عليها White people، إنه نفذ الجريمة ل " .. يؤمن مستقبل شعبه .." و هو ما يعكس مزاجًا دمويًا لا يعرف معنى التعايش، ولا يتعامل مع رائحته ! تكرست الآن التحذيرات للمسلمين فى نيوزيلندا بعدم التوجه للصلاة فى المساجد خوفًا على سلامتهم الشخصية ! ورفعت رئيسة وزراء نيوزيلندا مستوى الإنذار من " متدن " إلى " عال" و تكاملت معالم الصورة دون أى ضبابية أو غموض . لم تكن جريمة " المنحط " الذى أزهق أرواح الأبرياء و الأطفال " حالة فردية "، كما يتصور " مثقفو الغبرة " من مدعى الحكمة فى مقاهى وسط البلد، أو كما يصورون لنا ليظل " الإسلام " _ وحده _ محاصرًا بالإدانة من نفوس " مهزومة " حضاريا ، و لكن هذا المزاج الدموى، امتداد لتيار عريض متنام فى أوروبا كالفطر المتراكم ، وتمثله جماعة تطلق على نفسها " الاعتداء " فى " بروكسل "، أو المنظمة النازية المعروفة باسم " الطريق الثالث " فى فرنسا، أو " حركة" الولاء للشعب " فى النمسا ويمثلها المنظر النازى المجرم "جوتفريد كاسل "، ومن قبل هذه الحركات " منظمة الألوية الحمراء " فى إيطاليا، حيث رسخ لهم " فقه الاستباحة "، المنظر الوغد "أنطونيو نيجرى " فى كتابه الدموى : " الإمبراطورية "!. انجلت الغمة، وظهر المجرم بكامل ملامحه الممسوخة التى تقطر بدماء الضحايا، عرفنا أن الغرب، الذى تآمر على ثورات الربيع العربى، كان يدافع عن أحلامه الدامية للحظة الاخيرة، ويمتد بمشروعه العنصرى لأبعد نقطة فى الفضاء، و ينسجم مع تاريخ أسود لم يكف يومًا عن الكيد ل " إنساننا العربى و المسلم "، و تلغيم مسيرته باستمرار . و لا يقل عن جريمة المنحط الأسترالى، جريمة " المنحطين العرب "، الذين يبدون الآن " هدوءًا مفتعلا" و "حكمة مصطنعة" بعد أن تعروا أمامنا من سراويلهم دون كرامة!.