أكاد أراهم أمامى، يقفون بثيابهم المهلهلة وأعينهم التى يلمع فيها الأمل والإيمان بأنهم عائدون إلى بيوتهم ومدارسهم وملاعبهم.. يمدون أجسادهم الصغيرة التى أصابها الهزال من خلف خيام اللاجئين، ينظرون بدهشة إلى الأجواء الجديدة التى وجدوا أنفسهم فيها بين ليلة وضحاها! أكاد أراهم وهم يتساءلون: ماذا عن المدرسة؟ والفصول والكتب والأقلام والكراريس؟ ماذا عن متعة الترديد فى حصة المحفوظات، أو التصفيق الحار إذا حاز أحدهم الدرجات الكاملة؟! أرى أعينهم الصغيرة تجوس خلال الخيام الممزقة فى كل بلاد العرب.. راسمة أمامها مساحات واسعة من فصول كانت تتسع لطموحاتهم وأحلامهم.. كانت تجمعهم بدفئها فى صباحات الشتاء المطيرة، وأرى أذرعهم وقد تحولت لجناحى طائر.. لتحلق فى سماء ملاعب المدرسة فى حصص الألعاب والفسحة،.. أكاد أسمع ضحكاتهم البريئة تجلجل فى الهواء وتهز المكان بفرحها وسرورها فمن أطفأ شمس ضحكاتهم البريئة ومن قتل الأمل فى نفوسهم؟ ومن جعلهم يتامى وجعل أمهاتهم سكالى وآباءهم من أصحاب العاهات؟ من أعطى الحق لنظام جائر فاشى ليظل يلهث وراء هؤلاء الضعاف بلا رحمة ولا شفقة مستعذبًا رؤية دمائهم وهى تسيل على أرصفة شوارع المدن والقرى.. بلا ذرة من ضمير.. حتى يجدوا أنفسهم فى بلاد "نعم هى بلادهم" لكنها ليست سوريا الحبيبة إلى قلوبهم.. سوريا التى تتكحل أعينهم بإثمدها قبل أن يغمضوا جفونهم. الجزائر أعلنت موافقتها على ضم التلاميذ السوريين من الأسر المهجرة إليها عبر مدارسها النظامية وغيرها من البلاد العربية فعلت ذلك.. ولكن من لهؤلاء الذين يموتون أو ماتوا أو ينتظرون الموت من أطفال سوريا الحبيبة وهم يقبضون على جمر المعرفة نكاية فى نظام الفاسد " بشار" من لهم وقد أغلقت فى وجوههم الكثير من الحدود التى لجأوا إليها هربًا من الجحيم إلى جحيم ربما يكون أرحم على الرغم من كون صوت القنابل والقصف صار مصدر النغمات الوحيدة التى تطرأ على آذانهم. إنهم عراة ونحن نرفل فى أبهى الثياب، جرحى ونحن مسترخون على أرائكنا نتأفف من شكة الدبوس، يعيشون بلا سقف..لمخيماتهم .. يحتمون بالعراء من الشمس المحرقة، ونضرب نحن أخماسا فى أسداس إذا انقطعت الكهرباء لعدة دقائق وحُرمنا من الهواء المكيف.. ترضيهم المستودعات والمخازن يحتمون بها من قيظ الظالم وكم منا لا يرضيه بيته الوسيع فيطمع فى الأوسع. لكل الذين لم يقدروا نعمة الله على مصر حين جنبنا وجنب أولادنا التشتت فى صحارى الجيران.. أقول لهم عودوا إلى بيوتكم وكفوا عن الفوضى.. احتضنوا أبناءكم والتفوا حول قيادتكم بدلا من مناوئتها.. قفوا بجوار أطفالنا وأهالينا فى سوريا، وتذكروا وأنتم تمدون أيديكم بحقيبة المدرسة لأبنائكم.. أن لكم أبناء فى سوريا ينتظرون عطفكم، وقبل أن تهتفوا بالابتسامة لأولادكم وتفتحوا لهم الأذرع.. تذكروا أن أطفال سورية يحتاجون دفء عروبتكم ونخوتكم.. أيها المصرى الجميل والأصيل أنت صاحب واجب دائما.. وهذا واجبك وستُسأل عنه أمام الله عز وجل!