تحدث السيد المستشار أحمد مكى، الأسبوع الماضى، عن تفعيل بعض جوانب الطوارئ بدعوى السيطرة على أعمال البلطجة، التى تمثل أسوأ ما فى الحالة الأمنية المنفلتة هذه الأيام، وكان قد أعلن أنه فى صدد تعديل بعض بنود قانون الطوارئ فى إطار هذا التوجه، فثارت الدنيا وقامت ضجة، لأن الطوارئ ذات ظل كئيب وسوداوى لدى كل مشتغل بالعمل العام فى مصر، فقد كان قانون الطوارئ أحد أسوأ ما فى الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية، والذى به أهدرت الحريات وفتحت المعتقلات والسجون والتعذيب وتغولت الأجهزة الأمنية وضاع القانون وغابت العدالة وارتعش الاقتصاد وأصبح "الذراع" هو الفيصل فى النزاعات وظهرت البلطجة على أوسع نطاق وغابت الأحزاب والقوى السياسية عن الشارع، واختفت خشية البطش والتنكيل، وتحولت السياسة إلى "مهيصة" بين بعض الرموز وبين السلطة القائمة، هم يمنحون السلطة شرعية مزيفة ويشاركون فى مسرحية عبثية كاذبة عن ديمقراطية ديكورية، والسلطة تمنحهم بعض النفوذ والصلاحيات التى تعزز هيمنتهم على أحزابهم الهشة والارتزاق المالى، والحقيقة أن البحث عن الطوارئ بدعوى مواجهة البلطجة هو فساد أكيد، وأعتقد أنها دخلت على الوزير المحترم المستشار أحمد مكى من باب سوء التقدير وليس سوء النية، لأنه من الشخصيات النبيلة والمحبة لهذا الوطن واستقلال العدالة فيه، والمشكلة تأتى من تصور أن البلطجة ناتجة عن قصور القوانين، وليس عن غياب تطبيق القانون أصلا، فالبلطجى الذى يلعب بالسيف علنا فى الشارع أو يفرض الإتاوات أو يمارس ما هو أسوأ يفعل ذلك، وهو فى مأمن من العقاب والملاحقة، لأن لديك قوانين قائمة بالفعل تجرم هذه الأعمال، ويمكن أن تلقى بصاحبها فى السجن بضع سنين، ولكن القانون لا يعمل، والجهاز الأمنى لا يتحرك، وإذن فالمشكلة ليست فى القانون، وإنما فى العجز عن تطبيقه، أو التردد فى تطبيقه، وبالتالى، فالمنطق يقول إن محاصرة البلطجة تكون بتفعيل القانون وتطبيقه بكل صرامة، وعندما تعجز قوانينك القائمة عن تحقيق المأمول، وقتها حدثنى عن الحاجة لقوانين جديدة، وبالأمس عقب السيد الوزير على هواجسى فى قناة النيل للأخبار بقوله إن الطوارئ لها أهمية فى بعض الأمور مثل منح الضبطية القضائية للقوات المسلحة لعملياتها فى سيناء، وأنه أراد أن يعدل من قانون الطوارئ ويقلل من وحشية بعض نصوصه، وليس دعوى منه لتفعيله، والحقيقة أن هذا الكلام أقرب لأن يكون هروبًا من الضجة التى ثارت، لأنه إذا كانت النية بعيدة كل البعد عن الطوارئ قانونًا وحالة، فلماذا يشغل نفسه وزير العدل بتعديل القانون الآن وإعادة صياغة بعض بنوده، هل هو فى ترف من الوقت لكى يقضيه فيما يشبه دراسات قانونية، أو أعمال ليس لها أى أولوية الآن ولا ضرورة ولا وجود، كما أن الضبطية القضائية يمكن توفيرها استثناء بقرار من وزير العدل فى فترة محددة ولأعمال محددة، وليست فى حاجة إلى إعلان حالة الطوارئ، كما أنه لو كل عدة مواطنين أطلقوا صاروخًا أو فجروا قنبلة، فتمت الدعوة لإعلان الطوارئ لمواجهة هذا الحادث، فإننا سنعود إلى نفس طريقة المخلوع فى المبررات، التى جعلته يمد الطوارئ ثلاثين عامًا ولم ترفع إلا بعد خلعه، وأنا لا أعرف من هو هذا الذى يخترع أفكارًا ومقترحات شديدة الخطورة ومسيئة لفترة حكم الرئيس محمد مرسى، من هذا الذى يدعوه إلى التفكير فى إعلان الطوارئ، بينما ظل هو نفسه طول عمره السياسى يناضل من أجل إلغاء الطوارئ، لأنه واحد من هؤلاء الذين عانوا من بطشها وفسادها وجبروتها، حذار أن يفكر أحد فى تلك "السوءة" السياسية الإجرامية، فالطوارئ فى جوهرها أداة للقمع السياسى وليس لملاحقة الجريمة، ولا يوجد مكان فى العالم ترفع فيه الطوارئ إلا ويعرف العالم أن خلفها نظامًا ديكتاتوريًا قمعيًا لا يحترم القانون ولا العدالة ولا الحريات العامة ولا يعرف شيئا اسمه التداول السلمى للسلطة. [email protected]