زراعة المنيا: لجان مكبرة تجوب الجمعيات الزراعية لمتابعة صرف الأسمدة المدعمة للمزارعين    عبدالعاطي في مقال رأي بمجلة جون افريك: مصر تؤكد عزمها على أداء دورها ومسئولياتها في القرن الإفريقي    منتخب مصر مواليد 2009 يختتم استعداداته لمواجهة الأردن    تونس ضد موريتانيا.. تعادل إيجابي في بداية معسكر نسور قرطاج    بعد إبلاغ زملائه بالعمل عنه.. العثور على جثة شاب بين أنقاض عقار الجمرك المنهار في الإسكندرية    جومانا مراد تشارك في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بإطلالة جذابة    نائب المحافظ يتابع معدلات تطوير طريق السادات بمدينة أسوان    محافظ الأقصر يستمع إلى شكاوى المواطنين.. ويوجه بحلول عاجلة لعدد من المشكلات الخدمية    المستشار محمود فوزي: العمل بقانون الإجراءات الجنائية الجديد اعتبارا من أكتوبر 2026    غرامة 500 ألف جنيه والسجن المشدد 15 عاما لتاجر مخدرات بقنا    بعثة الجامعة العربية لمتابعة انتخابات مجلس النواب تشيد بحسن تنظيم العملية الانتخابية    الصحة: مصر خالية من التراكوما وتواصل ريادتها فى القضاء على الأمراض    «كوب 30» ودور النفط فى الاقتصاد العالمى    محمد رمضان يقدم واجب العزاء فى إسماعيل الليثى.. صور    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    أمور فى السياسة تستعصى على الفهم    محافظ شمال سيناء يتفقد قسام مستشفى العريش العام    قبل مواجهة أوكرانيا.. ماذا يحتاج منتخب فرنسا للتأهل إلى كأس العالم 2026؟    الداخلية تكشف تفاصيل استهداف عناصر جنائية خطرة    كندا تفرض عقوبات إضافية على روسيا    جارديان: برشلونة يستهدف هاري كين    وزير العدل الأوكراني يقدم استقالته على خلفية فضيحة فساد    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    طلاب كلية العلاج الطبيعي بجامعة كفر الشيخ في زيارة علمية وثقافية للمتحف المصري الكبير    وزيرالتعليم: شراكات دولية جديدة مع إيطاليا وسنغافورة لإنشاء مدارس تكنولوجية متخصصة    كرة يد - بعثة سموحة تصل الإمارات مكتملة تحضيرا لمواجهة الأهلي في السوبر    المتحف المصري الكبير ينظم الدخول ويخصص حصة للسائحين لضمان تجربة زيارة متكاملة    أسماء جلال ترد بطريقتها الخاصة على شائعات ارتباطها بعمرو دياب    سعر كرتونه البيض الأحمر والأبيض للمستهلك اليوم الأربعاء 12نوفمبر2025 فى المنيا    ضبط مصنع حلويات بدون ترخيص في بني سويف    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    ما عدد التأشيرات المخصصة لحج الجمعيات الأهلية هذا العام؟.. وزارة التضامن تجيب    رسميًا.. ستاندرد بنك يفتتح مكتبًا في مصر لتعزيز الاستثمارات بين إفريقيا والشرق الأوسط    طريقة عمل فتة الشاورما، أحلى وأوفر من الجاهزة    البابا تواضروس الثاني يستقبل سفيرة المجر    بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. آثارنا تتلألأ على الشاشة بعبق التاريخ    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    حجز محاكمة متهمة بخلية الهرم لجسة 13 يناير للحكم    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    موعد مباراة مصر وأوزبكستان الودية.. والقنوات الناقلة    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    في ذكرى رحيله.. محمود عبد العزيز «ساحر السينما المصرية» جمع بين الموهبة والهيبة    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    المستوطنون المتطرفون يشنون هجمات منسقة ضد الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية    وزارة العمل تكشف نتائج حملات التفتيش على تطبيق قانون العمل الجديد في القاهرة والجيزة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن إصلاح الرأسمالية؟
نشر في المصريون يوم 23 - 12 - 2018

في استقصاء تم منذ نحو عامين في الولايات المتحدة الأمريكية معقل الرأسمالية تبين أن أكثر من نصف الشباب هناك لم يعد يؤيد الرأسمالية كنظام اقتصادي يحكم البلاد منذ نشأتها، وهذا دليل على مدى التدهور الذي لحق بسمعة الرأسمالية خاصة في العقدين الماضيين نتيجة للتغير الكبير الذي طرأ عليها وحولها من نظام إنتاجي يمنح الفرص للجميع ويشجع الابتكار ويحارب الاحتكار إلى نظام استهلاكي شره منحاز لأصحاب رؤوس الأموال على حساب طبقة العمال وغير عادل في توزيع الفرص وموبوء بالاحتكارات الخفية.
ولو اننا تأملنا القضية بعمق لوجدنا أن معظم مشاكل الرأسمالية وازماتها الاقتصادية العنيفة وكان آخرها الأزمة المالية العالمية ما بين عامي 2007 و2008 تأتي عندما يضعف الدور الرقابي للحكومات في الوقت الذي تفشل فيه آليات السوق في العمل وتحقيق التوازنات المطلوبة وسوف نلاحظ أيضأ أن هذه المشاكل لم تحل إلا من خلال التدخل الحكومي القوي وهو ما حدث بالفعل عندما تدخلت الحكومات الغربية وعلى رأسها الحكومة الأمريكية من خلال بنوكها المركزية وأجهزتها المالية والاقتصادية لإنقاذ مصارفها وشركاتها العملاقة من الانهيار إبان الأزمة الأخيرة.
وما ثورة اصحاب السترات الصفراء المندلعة حاليا في فرنسا إلا مظهر من مظاهر السخط على الرأسمالية السائدة في الغرب حاليا والتي لم يعد هناك جدل بين الاقتصاديين على انها تعمل لصالح قلة غنية وتغض الطرف عن متاعب وأوجاع الأغلبية الفقيرة في ظل حكومات وأجهزة رقابية تتسم بالضعف والرضوخ لمطالب الرأسماليين. العالم كله في حالة من الدهشة لما يحدث في شارع الشانزليزيه الفخم والشوارع المتفرعة منه من مظاهرات عنيفة وأعمال تخريبية، إنها مظاهر اعتدنا على مشاهدتها في الدول الإفريقية وهو ما يسبب حرجا كبيرا للرئيس ماكرون الطامح لخلافة أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا وهي تقترب من التقاعد. أعتقد أن ما يحدث حاليا هو إعلان للوفاة السياسية المبكرة للرئيس الشاب الذي كان يحلم بتغيير أوروبا كلها وليس فرنسا وحدها وجرأ على تحدي ترامب بشكل لم يفعله أي زعيم أوروبي أخر، وها هو ترامب لا يخفي شماتته في ماكرون في واحدة من تغريداته المقيتة.
الخطأ الكبير الذي ارتكبه ماكرون على الرغم من ذكائه الشديد هو أتباعه لوصفة إصلاح اقتصادي للمشاكل التي ورثها من سلفه أولاند دون مراعاة للأبعاد الاجتماعية لإصلاحاته وكأنه في أحد الدول العربية التي لا حول فيها ولا قوة للمواطن الغلبان والمفعول به دائما.
تمثلت إصلاحات ماكرون في إعفاءات ضريبية كبيرة للأغنياء لحثهم على المزيد من الاستثمار وزيادة النمو الاقتصادي لخلق وظائف جديدة. ولم يكتفي بهذا بل قام بإلغاء مزايا عديدة للعمال والموظفين الصغار من خلال إدخال تعديلات غير منصفة على قوانين العمل مع فرض ضرائب على اصحاب المعاشات، ثم قام مؤخرا برفع أسعار الوقود. وكان من المؤسف أن يواجه الاحتجاجات الأولى من العمال والموظفين باستهانة شديدة داعيا إياهم إلى الإقلال من ركوب السيارات!
وكما نرى فإن إصلاحات ماكرون المعتمدة على تدليل الأغنياء كما هو المتبع في معظم دول العالم لم تؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات التوظيف في أي من دول المجموعة الأوربية التي يصل متوسط نسبة البطالة فيها الى 8% وتصل هذه النسبة في اسبانيا وحدها إلى 15% وفي إيطاليا إلى 10% وفي فرنسا إلى 9%. بينما انخفضت نسبة البطالة في أمريكا أيام إدارة أوباما إلى 4% من خلال سياسات التيسير النقدي التي اتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي هناك بالإضافة إلى تشجيع التجارة الخارجية ودعم العولمة. أما الآن فإن إدارة ترامب تحيد عن هذه السياسات وتعادي العولمة والتجارة الحرة كما قامت بتخفيض الضرائب على الأغنياء. وبالرغم من أن سياسات ترامب أدت إلى تحسن طفيف في نسبة البطالة حيث تبلغ الآن أقل قليلا من4% إلا انها وظائف ذات دخل محدود ولا تتسم بالديمومة، كما أن حروب ترامب التجارية مع الصين وكندا والمكسيك ومعاداته للعولمة وتخفيضه للضرائب على الأغنياء سوف تكون لها تبعات اقتصادية سيئة على الاقتصاد الامريكي حتما وقد بدأت بالفعل فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء في الاتساع بشكل لم يحدث من قبل في تاريخ أمريكا حيث يملك الآن 1% فقط من مجموع السكان حوالي 40% من ثروات البلاد.
والحقيقة أن أمريكا ليست وحدها التي تعاني من تزايد فجوة الدخل والثروة بين الأغنياء والفقراء، بل إنها ظاهرة عالمية أنتجتها آليات عمل الاسواق الرأسمالية التي تهدف بالأساس إلي تحقيق أكبر ربح ممكن كمعيار وحيد للنجاح وبغض النظر عن أي اعتبارات اجتماعية أو إنسانية. وفي بلد مولدي مصر ومنذ عهد الملكية كان ولازال مجتمع ال 1% يتحكم في كل مقدرات البلاد بينما يقع نصف سكان مصر تحت خط الفقر.
وعودة إلى الاسباب الأساسية لحالة السخط المتزايدة في الغرب على الرأسمالية نقول إن فجوة الدخل والثروة بين الأغنياء والفقراء والمتزايدة بمعدلات غير مسبوقة تمثل مصدرا لحالة مزمنة من الإحباط المشروع للمعدمين نتيجة احساسهم بانهم محرومين من خيرات بلادهم لا لشيء سوى أنهم ولدوا فقراء وسيموتون فقراء ومن ثم فإنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وعندما يضغط على المرء بشكل مستمر حتى يصل ظهره للحائط فإن أي خطوة له لن تكون إلا إلى الأمام، أي المواجهة التي بدأها أصحاب السترات الصفراء في فرنسا والتي ستتبعها حركات أخرى مشابهة في الغرب بكل أسف.
ومن الأسباب الأخرى لحالة الإحباط انحسار المنافسة الحرة التي كانت تميز النظام الرأسمالي وكانت أهم عوامل نجاحه لما أدت إليه من ابتكارات وتنوع وانخفاض في الاسعار ورفاهة للجميع. وفي تاريخ الفكر الاقتصادي وبالتحديد في بدايات القرن العشرين كانت الحكومات في الغرب تحارب الاحتكارات بقوة. وحتى ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بنت نهضتها الحديثة على أساس المنافسة الحرة ومحاربة الاحتكارات.
أما الآن فإن هناك حالة تركز كبيرة في الاقتصاديات العالمية خاصة الغربية حيث تسيطر مجموعة صغيرة من الشركات العملاقة على كافة أسواق القطاعات الاقتصادية خاصة في قطاعات الميديا والتكنولوجيا والتسويق والأدوية والبنوك والتأمين والبترول والغاز وكل من يعيش في الغرب يدرك هذا. وتحقق هذه المجموعة من الشركات أرباحا ضخمة ومتزايدة، والحقيقة غير المعلنة هي أن حالة التركز هذه تمثل نوعا من الاحتكارات الخفية وهوما يعطى نفوذا كبيرا لهذه الشركات في القرار السياسي للدول التي تعمل بها. وكان من المفترض أن تؤدي ظاهرة العولمة إلى إزكاء المنافسة والحد من حالة التركز هذه ولكن لم يحدث هذا بشكل قوي مما أدى إلى المزيد من الانخفاض في نسبة مساهمة العمال في الناتج المحلي الإجمالي لمعظم الاقتصاديات العالمية ومن ثم تآكل قوتهم الشرائية وتدهور أحوالهم المعيشية.
ومع تصاعد نفوذ وقوة الرأسماليين ضعف دور ونفوذ النقابات العمالية بشكل ملحوظ في الغرب، أما في عالمنا العربي فقد تم اختراقها وتحويلها إلى أجهزة تابعة للحكومات اختصارا للوقت.
ومن العيوب الأخرى لمشكلة التركز التي اوضحناها سابقا صعوبة دخول لاعبين جدد إلى الأسواق التي تسيطر عليها الشركات العملاقة وهو ما يعني انخفاض مستوى المنافسة وتدني مستوى الابتكارات الجديدة التي يمكن أن تعمل لصالح الفقراء ويواكب هذا انخفاض في معدلات الإنتاجية وهي مشاكل حقيقية تعاني منها معظم الاقتصاديات الغربية.
وبالطبع فإن الحلول اللازمة للتعامل مع هذه الأوضاع السيئة معروفة لصناع وأصحاب القرار السياسي والاقتصادي ومن أمثلتها استخدام أدوات السياسة المالية للحد من اتساع فجوة الدخل بين الفقراء والاغنياء كما أوضحنا في مقال سابق لنا وتقوية الأجهزة الرقابية الحكومية واعادة بعث دور نقابات العمال الحرة والمستقلة وفرض تعيين عدد أكبر من العمال في مجالس إدارات الشركات لتحقيق نوع من التوازن بينهم وبين الرأسماليين و محاربة الاحتكارات وفرض تشريعات تقضي على كل الحواجز والعوائق التي تضعها الشركات الكبيرة أمام الصغيرة التي تسعى للدخول إلى اسواقها........الخ
وكما نرى فإن مثل هذه الحلول لا تحتاج إلى فراسة ومعروفة للاقتصاديين المبتدئين! إذن أين المشكلة؟ المشكلة تكمن في غلبة غريزة الطمع والأنانية التي جبلت عليها النفوس البشرية ، وخلال مسيرة حياتي العملية الطويل عبر دول العالم تبين لي أن الناس عندما تعاني من ويلات الفقر و الحرمان تتحدث عن الاشتراكية والمساواة والعدل وحقوق الإنسان وما أن تخرج من دائرة الفقر وتبدأ في تذوق طعم المال حتى تصاب بحالة سعار وتتحول سلوكياتها تماما إلى النموذج الرأسمالي، بمعني أننا بالفطرة وفي ظل الظروف العادية وبعيدا عن الفقر المدقع نفضل الرأسمالية وتراكم المال حتى ولو كان من حولنا يعاني من الجوع والتشرد، والأرض التي تأوينا تعاني من التلوث البيئي من جراء أنشطتنا البشرية السيئة التي ستقود حتما إلى فناء أشكال عديدة من الحياة على وجه الأرض.
والخلاصة أنه لا أمل في إصلاح الرأسمالية الحالية في ظل المعطيات الراهنة ونحن بحاجة إلى ثورة ما في ضمائرنا قيل أي شيء آخر.
د. محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.