أحدثت مقالة ا/هيكل (تحية للرجال)التى نشرها في صباح 12 مارس عام 1971أثرا سيئا للغاية لدى الجنود والضباط ولدى أبناء الشعب الذين ضاقت بهم أنفسهم وضاقت عليهم معيشتهم فكل شىء تقريبا تم توجيهه لصالح المعركة ورضى الشعب بذلك واحتمل حتى غياب أبناؤه لسنوات طويلة في التجنيد من وقت الهزيمة وتسربت الى الناس مقولة أبو الأبطال الشهيد عبد المنعم رياض(لن نستطيع ان نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة..وعندما أقول شرف البلد فلا أعني التجريد وإنما أعني شرف كل رجل وكل امرأة. اذا خسرنا هذه الحرب لن نخسر وطننا فقط بل سنخسر وجودنا ذاته)وكانت هذه الجملة من الصدق والنور ما جعلها تسكن في قلوب الشعب والجنود. ولعله هاما هنا ان نتذكر الساعة الأخيرة التى كانت قبل استشهاد هذا الرجل الكبير, ففى بواكيرصباح الأحد 9 مارس 1968ركب طائرة هليكوبتر فى طريقه إلى أحد المطارات الأمامية للجبهة ثم ركب سيارة عسكرية معه فيها مرافق واحد والسائق وانطلق يتحدث إلى الضباط والجنود يسألهم ويسمع منهم وفى أحد المواقع التقى بضابط شاب فاجأه بطلب غريب(ولم يذكر أحد حتى هذه اللحظة من هو هذا الضابط الشاب ؟ولانعرف عنه شيئا وما سبب جٌرأته ومفاجأته لرئيس أركان الجيش بهذا الطلب في هذا التوقيت وفى هذا المكان)قال له الضابط الشاب سيادة الفريق هل تجىء لترى بقية جنودى فى حفر موقعنا؟وقال له الشهيد :نعم وبكل وسيلة ..وتوجه مع الضابط الشاب إلى أكثر المواقع تقدماً(بينه وبين العدو 250 م)الموقع المعروف برقم 6 ..وفجأة بدأ الضرب وبدأت النيران تغطى المنطقة كلها وهبط الجميع إلى حفر الجنود فى الموقع وكانت الحفرة التى نزل إليها ابو الأبطال تتسع بالكاد لشخصين أو ثلاثة وانفجرت قنبلة للعدو على حافة الموقع ثم كان ما كان..ولا أدرى هل كان مخططا في زيارة الشهيد الذهاب إلى هذا الموقع تحديدا ؟أم مفاجأة الضابط المجهول وفروسية عبد المنعم رياض هى التى أدت إلى الزيارة التى تبعد عن خط العدو 250 متر؟ وهل كانت مصادفة أن يفتح العدو كل هذه النيران في هذا التوقيت أم أنه كان أمرا معتادا ومتوقعا ؟ الأستاذ هيكل هو الذى روى هذه الرواية في مقاله بالأهرام 10 مارس1968..وهيكل معروف باهتمامه بالتفاصيل حتى انه أورد الحوار الذى بين(الضابط الشاب)كما وصفه والشهيد و كما حدث..بالعربية والإنجليزية التى كان يتقنها الشهيد الذى حارب كل حروب الشرق الأوسط باستثناء 1967 بما فيها الحرب العالمية الثانية..أيضا الأستاذ هيكل معروف بأنه صحفى استقصائي/تحقيقات من الدرجة الأولى..فكيف يذكر تفاصيل الحوار مع(الضابط الشاب) دون ذكر اسمه ورتبته. وحتى اذا كان استشهد مع الشهيد فمن كرامة وجلال الموقف ان نذكره ونتذكره ونضعه في مكانه الجدير بشجاعته في طلبه هذا من رئيس الأركان وفى دمائه التى قدمها بين يدى طلبه غير الموفق. وفى كل الأحوال لم نعرف ان هناك تحقيقا تم في هذه الواقعة الخطيرة. لكننا نعرف ان الشهيد كان يقف بكل قوة ضد أي محاولة سياسية لعودة سيناء بالمفاوضات وبلا قتال , والحقيقة أنه كانت هناك محاولات تجرى في هذه الاتجاه وكانت حرب الاستنزاف جزءً من هذه المفاوضات(تحركات روجرز وزير خارجية أمريكا ومبادراته الشهيرة)وأبو الأبطال قال جملته الشهيرة تلك عن ضرورة المعركة وعن كرامة الرجل وشرف المرأة..قالها لرئيس الجمهورية وأيضا للأستاذ هيكل وأكثر من مرة. يوم استشهاده بكاه شعرا وجيعا نزار قبانى قائلا: يا أشرف القتلى/ على أجفاننا أزهرت الخطوة الأولى إلى تحريرنا/ أنت بها بدأت/يا أيها الغارق في دمائهِ/جميعهم قد كذبوا وأنت قد صدقت/جميعهم قد هزموا ووحدك انتصرت. وعودة الى مقال الأستاذ هيكل الشهير(تحية لرجال)..وفى الحقيقة المقال وتفاصيله تستحق الغضب الذى أخذته ..ذلك أن مكان كل هذه المعلومات وكل هذه التفاصيل عن قدرة العدو وعتاده هو غرف العمليات العسكرية ومراكز القيادة العليا..وليس الصحف اليومية..ثم ان كل ما قاله هيكل لا يتناسب مع السبب الذى أورده من أنه أراد أن يشير إلى عظم وجسامة المهمة التى سيقوم بها الرجال.. إلا اذا كان كل ذلك _ واعتقد أنه بالفعل كذلك_ كان يسير في طريق المفاوضات واعتبار إسرائيل جزء من حقيقة وواقع المنطقة وأنها قدرلا فكاك منه..وكنت قد كتبت عن محامى بيبسى كولا ونيكسون وكيسنجر وهيكل في مقال سابق ثم ان الأستاذ هيكل كان عائدا لتوه من رحله لأوروبا طاف فيها وشاف وسمع ولربما أيضا قال..كما ذكرهو في حديثه مع المدعى العام الاشتراكي في أغسطس 1978 . قال الأستاذ هيكل(في مقاله المريب- تحية للرجال):إن القوات المسلحة المصرية تواجه معركة من أصعب معارك التاريخ وليست هذه صيغة مبالغة وإنما هى وصف حقيقة/ وعلينا أن نتمثل أمامنا طبيعة الأرض التى قد يجد الجيش المصرى نفسه أمامها/ ثم ما أقامه العدو من مواقع على هذه الأرض استغلالاً لطبيعتها ..ثقاة العسكريين فى الغرب وفى الشرق يعتبرون مجرى قناة السويس واحد من أهم الخطوط الدفاعية الطبيعية فى العالم من حيث كونه مانعاً ضخماً أمام المدافع عائقاً ضخماً بنفس المقدار أمام المهاجم/ا لجيش المصرى فى تقدمه سوف يواجه ما لم يواجهه جيش من قبل.وأظنها سوف تكون _هكذا كتب_ أول مرة فى تاريخ الحروب أن يواجه أى جيش أمامه: مانعاً أو عائقاً طبيعياً صعباً (قناة السويس)ثم خطاً دفاعياً أقيم على حافتها مباشرةً (خط بارليف )خطة الدفاع الإسرائيلية أصبحت تعتمد على خطين ثابتين:الأول – القناة وخط بارليف. والآخر– جبال المضايق /كذلك فإنها تعتمد على منطقتين مكشوفتين لعمل المدرعات والطيران:أولاهما المنطقة المحصورة ما بين كثبان الشاطئ الشرقى إلى المضايق.والأخرى الصحراء المفتوحة من حول المضايق وما يليها /الجبهة المصرية أمامها الآن فى سيناء – غير ما يمكن دفعه بسرعة فائقة من القوات الاحتياطية – ما يلى:فرقتان من المشاة الميكانيكية 35 ألف جندى/ فرقة مدرعة أربعمائة دبابة بأطقمها /لواء قوات كوماندوز محمول جواً بالهليكوبتر/ 70 طائرة هليكوبتر وثلاثة آلاف من قوات المظليين/مائة قاذفة ومقاتلة فى مطارات سيناء القريبة/ما بين ثمانمائة إلى ألف مدفع ثقيل/هذا غير قوات خط التحصينات القابع على حافة الماء مباشرةً وحقول ألغامه ونطاقات أسلاكه الشائكة وأسلحته وما زود هذا الخط نفسه به من المخترعات وحيل الخداع والتمويه /وهذا أيضا غير ما تستطيع إسرائيل دفعه بسرعة إلى مسرح العمليات فى حالة اتساع مدى القتال واضطرارها إلى التعبئة الجزئية أو العامة.. ويلى عليك و ويلى منك يا أستاذ هيكل!!!!؟؟؟؟أى شيطان خرج من قاع الجحيم ودفعك لأن تقول هذا الكلام بكل هذه التفاصيل في هذا التوقيت وفي جريدة يومية لعامة الناس بما فيهم الجنود على خط النار والقتال وأهل الجنود على خط القلق والألآم .الكلام يهز إشراقات الأمل في النصر الموعود لصالح ضباب اليأس والإحباط..وهو ما جعل اللواء الحسينى الديب يقول في كتابه(هيكل وأخلاقيات الصحافة) :كان المقال له أثر مدمر وخطير في خفض الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة الذين أعربوا بغضب عن رفضهم القاطع لآراء هيكل الهدامة وقاموا بتمزيق الجريدة وداسوها بأقدامهم رافضين ما يكتبه من آراء ومطالبين بإقالته لأنه غير ملتزم فهو يبدي آراء هدامة تدعو إلى الخنوع والاستسلام بدلا من القتال والاستبسال..أراد هيكل أن يقدم التحية لأفراد القوات المسلحة، فخانه القلم، وجمح به الخيال بعيدا، وشط به الفكر إلى هوة سحيقة فلم يقدم التحية ولكنه قدم اليأس والتشاؤم وأطنب وأفاض في وصف استعدادات العدو بشكل يوحى بأن التغلب عليها يعد ضربا من المحال وأن القتال في سبيل الاستيلاء عليها يعد نوعا من الانتحار. ........ التاريخ وعاء المستقبل واستدعاء ذاكرة التاريخ مهمة للغاية في النظر إلى المستقبل وحرب أكتوبر المجيدة لم تكن كأي حرب والأرض التى شهدت أحداثها ومعاركها ليست أى أرض,وما كتبه قادتها ورجالها وكل من أقترب منها ومن نتائجها هام لدرجة كبيرة ليس فقط فيما يتصل بها _كحرب _ولكن وهو الأهم فيما يتصل بما بعدها..والذى هو ببساطة شديده حاضرنا الذى نعيشه ومستقبلنا الذى(يٌراد)لنا..أمام مستقبلنا الذى نريده _نحن_ لنا ولأبنائنا. لذلك أستأذنكم في مقاله أخرى متممه ومكمله( للتحية الصادقة)التى لا تكفى ولا تفى ما قدموه وأعطوه وبذلوه رجال هذه الحرب وأبطالها .