لم يكن أحد يتصور أن تدفع الأوضاع المعيشية ببعض الأسر لعرض أولادها للبيع، لكن هذا ما حدث تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، إذ لم يبقَ لهم شيء يسد رمقهم، فلم يجدوا سوى بيع فلذات أكبادهم وعرضهم كسلع بالطرقات فهل من مشترٍ. وشهدت الآونة الأخيرة عرض الكثير من الآباء والأمهات أبناءهم للبيع مقابل مبلغ مالي، كان آخرها إعلان المجلس القومي للطفولة والأمومة اليوم، عن نجاح النيابة العامة في إحباط محاولة بيع أم لطفلها، وذلك خلال عرضه على إحدى صفحات "فيس بوك"، لتصبح هي القضية الثانية لبيع أطفال عبر "الإنترنت"، والتي يقوم فيها المجلس بإبلاغ النائب العام، ليتم التحقيق فيها وملاحقة وضبط الجناة. وقالت الدكتورة عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس، في بيان اليوم، إن "خط نجدة الطفل 16000 التابع للمجلس، تلقى منذ أيام قليلة بلاغًا، يفيد بقيام أم بعرض طفلها للبيع قبل ولادته بأيام على إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". وأوضحت أن المجلس قام على الفور بإبلاغ إدارة حقوق الإنسان بمكتب المستشار النائب العام، والذي بدوره وجه نيابة الاستئناف بالإسكندرية بمباشرة التحقيقات وتتبع تلك السيدة صاحبة المنشور، وبالفعل تم التحقيق في الواقعة، وتم القبض على الأم والأب المتهمين بالقضية. وأشارت العشماوي إلى أن ذلك جاء حرصًا من المجلس على الطفل الذي تمت ولادته، اليوم، السبت، فقد تم تشكيل فريق من خط نجدة الطفل لتقديم سُبل الدعم للطفل الرضيع حديث الولادة، حرصًا على المصلحة الفضلى له، حيث يحتاج لعدم فصله عن أمه ورعايته لعدم تعرض صحته للخطر، كما يتم متابعة مجريات التحقيق مع نيابة استئناف الإسكندرية. وكان المجلس القومي للطفولة والأمومة تقدم ببلاغ لكل من مكتب النائب العام، والإدارة العامة لرعاية الأحداث بوزارة الداخلية، في فبراير الماضي، ضد موقع على "الفيس بوك" يروج لبيع الأطفال في مصر. وفي الثالث من مايو الماضي، عرض أب ابنه للبيع مقابل 5 آلاف جنيه بالقليوبية، ولم يكتشف الأمر إلا بعد تقدم الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، ببلاغ إلى النائب العام، قال فيه: "أب بمدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية أقر تنازلاً نهائيًا عن ابنه محمود مقابل 5000 جنيه". وعندما تم عرض الأمر على والدة الطفل لتسليمه إليها رفضت، معلنة رضاها عن البيع وانصرفت وتركت الطفل حتى أنها لم تطلب رؤيته أو الاطمئنان عليه. كما قامت سيدة بعرض طفلها للبيع مقابل 100 جنيه بدمياط، "مائة جنيه" ثمنًا طلبته أم وقفت على أعلى كوبري عبد المجيد في قرية السنانية في دمياط، والتف حولها عدد من المواطنين ليروا ما تبيعه المرأة، مندهشين مما أقدمت عليه. وأخطر بعض الحاضرين وشهود الواقعة، الشرطة، حتى يجدوا حلًا لما تفعله هذه المرأة وألقت القبض عليها في الحال، ليتضح لهم بعد إجراء التحقيقات اللازمة معها أنها تمر بظروف وضيق مالي صعب، ولم تجد مفرًا إلا لتعلو صرخاتها ببيع طفلها، وأن تتنازل عن أمومتها، وتقتل ما يدور في ذهنها وقلبها من ناحيته والثمن "مائة جنيه". وفي تصريح إلى "المصريون"، قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي, إن "الشخص الذي يقوم بعرض أبنائه للبيع شخص غير سويِّ يعاني من اضطراب في الشخصية". وأضاف: "من ضمن الأسباب عدم وجود ثقافة أو وازع ديني وتوعية بجانب عدم التوعية الاجتماعية والأسرية, والثقافة المنعدمة لدى الكثيرين، بجانب السلبية واللامبالاة". وأوضح، أن "المواطن يعلق ما يقوم به بسبب الظروف الاقتصادية التي يمر بها، وهذا ليس مبررًا، لأن الشعب المصري مر بظروف أصعب من ذلك في وقت سابق، ولم نشاهد ما يحصل الآن", مدللاً بالمثل الشهير "تجوع الحرة ولا تأكل بثديها".