لا يختلف اثنان على أن كامب ديفيد(التى مرعليها أربعون عاما 17/9/1978م) ما هى إلا محطة على درب الألآم الذى بدأ بأنكر هزائم العرب فى العصر الحديث 5 يوينو 1967م والتى هيئها وخططها وأخرجها ونفذها النظام الحاكم فى الستينيات سواء بالإهمال الجسيم أو بالتلاعب الخفى أو بوجه ما من وجوه صراعات السلطة وما كان لكامب ديفيد ان تكون بالبداهة لولا تلال الهزائم التى صنعتها هذه الحرب التى ليست أبدا ماضى مضى بل الماضى الذى لا يمضى ..إذ أنه حاضرا حيا ..مهما تحفلط المتحفلطون أو تزفلط المتزفلطون على رأى الراحل احمد فؤاد نجم فى السياسيين والمثقفين وقت هذه الحقبة البائسة(محفلط مزفلط كتير الكلام/عديم الممارسة/عدو الزحام/ بكام كلمه فاضيه/ وكام اصطلاح/ يفبرك حلول المشاكل قوام) صحيح ..انه فن الفبركة المتفبركة ..كانت الخمسين عاما الماضية فبركة من الطراز العتيق. تظل هزيمة كل يوم(1967م) ونتائجها هي الثابت التاريخى على الأرض..وللتاريخ كانت هي لحظة الإيذان بالاعتراف العلنى بإسرائيل وليست كامب ديفيد. إسرائيل تم الاعتراف بها بعد الهزيمة فورا ليس فقط كدولة بل كقوة إقليمية مهيمنة في المنطقة ..كل شىء يبدأ وينتهى عند 5 يونيو ثم يعود ثانية إلى 5 يونيو (الإنسان الذى فقدناه فينا خلقا ووعيا أو التراب الذى أهدرته أيدينا كرامة وقيمة)سنسمع وقتها شعارا غامضا هلاميا فى عنونه الكارثة التى مهدت لكامب ديفيد والمعاهدة ..شعار(إزالة أثار العدوان)..والحقيقة أن آثار العدوان واقعة لم تزل ..كما هى.. ولاتزال أم الهزائم هي..هى أوقع حقيقة وأوقع اثر. تقول الحكاية ان الرئيس قرر ان يفتتح زمنا سياسيا جديدا من أزمان الأغوار المظلمة والظلمات الغائرة..زمن ليس فيه صديق عمره (عامر) الذى ظل طوال الوقت تصريحا وتلميحا ينبهه انه هو الذى(قلب الليلة)حين دخل على خاله(حيدر باشا)وزير الحربية ليلة 23 يوليو 1952م وسوى معه التسويات المستوية بالنسبة للجيش وقياداته العليا ..ثم هو الذى يحميه الأن من غدر الغادرين وحسد الحاسدين ومكر الماكرين وعليه فقد كانت المرارة الممروة تملأ حلق الرئيس من هذا كله.. يقولون أن تحطيم الجيش عام 1967 كان شرطا لازما لإنهاء هذه الحالة/الصراع(تحول من كونه مكتوما بدءا من 1962 إلى صراع واضح ومخيف وله تجلياته المنذرة بكل سوء منذ أواخر 1965.)كما يقول عدد من الباحثين النابهين فى كتاب (فى تشريح الهزيمة)الذى صدر العام الماضى عن دار المرايا والذى كان ضمن الكتب العشرة الأكثر مبيعا عام 2017م الكتاب قام بتحريره الكاتب خالد منصور واشترك فى كتابته خمسة من المؤرخين ..يقول احد محررى الكتاب فى ذلك:عامر وناصر يتحملان هذا الخطأ التاريخي مشتركين ولو كان هناك شركاء آخرون في ميدان السياسة في البلاد برلمانا كان أو إعلاما أو أحزابا سياسية أو منظمات أهلية لكان عامربالتأكيد قد اختفى بمصائبه من على مسرح السياسة بعد أخطائه الفادحة في حرب 1956 وفي إدارة الوحدة مع سورية(1958-1961)وبعد فشله في حرب اليمن(1962-1967) لكن في ظل حكم مؤسسة أخرجت الشعب بأكمله من مجال السياسة وقررت الحديث باسمه وتمثيله فإن الفشل في أحيان كثيرة ليس اختيارا بل قدر شبه محتوم ..أنت أمام سلطه نجحت في (إماتة الشعب) بل الأقرب للتصديق سلطة نجحت في محو آثار حركة الناس بشكل دؤوب فصار التعرف عليها صعبا).. تقول الحكاية التى انعقدت عليها أحداثا جسيمة أنه بعد حرب 1956م وافق النظام السياسى على وقف إطلاق النار والذى كان من بين شروطه(السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور في خليج العقبة المصري)..وهو ما يعتبره الباحثون أول نمط من أنماط التطبيع مع إسرائيل. ثم كان ثانى تطبيع أيها الأصدقاء الموافقة على القرار242الصادر في 22/11/ 1967م عن مجلس الأمن الدولي والذى نص صراحة من بين ما نص علي(بدء مفاوضات لإحلال السلام في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل). ما الغريب الذى فعله السادات إذن _رغم فداحة ما فعل_ فالزعيم العملاق كان قد وافق فورا على بدأ مفاوضات لإحلال السلام .. بعدها ب16 يوم (9/12/196م) طرحت أمريكا مبادرة روجرز(أمريكا التى تملك 99% من أوراق اللعبة) كما كان الهمس المهموس يدور فى السلطة وقتها بذلك ..وما فعله السادات بعد 1973 حين صرح بذلك علانية ما كان إلا رفع الغطاء فقط عن كل ما كان يدور فى رأس تلك السلطة. مبادرة(روجرز)هي فى الحقيقة الحقة أول الطريق إلى كامب ديفيد..ليس فقط, بل ومدريد وأسلو ..ليس فقط ,بل الانسحاب من غزة وضرب المقاومة ..ليس فقط ,بل عباس ودحلان والرجوب وماجد فرج وما أدراك ما هذه الأسماء فى الأروقة السفلية للألاعيب الخفية. سيكون مدهشا إدهاشا دهيشا ان نعلم أن العلاقات المصرية الأميركية فى الستينيات كانت زاهية متلألئة ..نعم رغم كل الصريخ المصروخ فى إعلام المريخ عن الامبريالية و شرب الماء من البحر الأبيض أو الأحمر(للى مش عاجبه)كان القمح يأتى من واشنطن(بترتيبات تفضيلية )وضع خط عريض تحت تفضيلية هذه..مصر أكلت من القمح الامريكى بين عامى 1960-1965 ما يقدر ب 904 ملايين طن بقيمة إجمالية 731 مليون دولار دفعتها مصر بالجنيه المصري ؟!..يقول أحد محررى الكتاب السابق ذكره أن(الفارق كان مرعباً بين إدعاء رفع الرأس أمام الخارج والتشدق بعدم الانحياز في الخطب البلاغية وبين واقع أن البلاد صارت بعد سنوات طويلة من الاستقلال تحصل على سلاحها وغذائها من الخارج وتقمع أية فرصة للتحول السياسي نحو مشاركة شعبية في دولة بدأ الفساد ينخر في مؤسساتها). فالاعتماد الكامل على استيراد السلاح من الاتحاد السوفياتي واكبه اعتماد شبه كامل على أمريكا مصدرا للقمح. كانت تجربة التنمية الأكذوبة فريدة مديدة عتيدة.. أعنى تجربة التنمية والتصنيع فى الستينيات..والتى لم تنجح الدولة فيها بالوفاء بأى قدر من مسؤولياتها كدولة تنموية ..خاصة في مجال تطوير القطاع الزراعي(الذى فتته بالفدان ونص لزراعة الجرجير والنعناع مقابل الهتاف له فى الشوارع) أو دعم وتوجيه الاستثمار الصناعي بشكل مركزي(بضرب كل أشكال الرأسمالية الوطنية وتأميم الصناعات الناجحة)وتطوير القدرات التمويلية للمشروعات خاصة من النقد الأجنبي لشراء المواد الخام وهو ما أدى إلى الاعتماد المتزايد على القروض والمساعدات الخارجية و لعل هذه العلاقة الغذائية بين مصر والولايات المتحدة في أوج ما سمي بالاشتراكية العربية تظهر عمق الخيبات التي كانت قد وصلت إليها تجربة الدولة التنموية في مصر..ضجيج ولا شيء.. ولهذا الموضوع حديث أخر. أريد أن أشير(فى هذا الجزء من المقال) إلى ان ما بدأه السادات مع أمريكا(وقصة ال 99%) ما كان إلا وصلا موصولا بما كان يفعله النظام السابق والذى كان السادات فى قلب قلبه ليس فقط نائبا ولكن وهو الأهم كان فى أعماق الزعيم الأوحد سواء حركاته وسكناته(الكل مر من جانبى وأنت مررت من خلالى).. الأمر كان فقط تنويعا فى لحن النوته نفسها. أختم هذه الحلقة بكلمات للأستاذ سامى شرف أحد أعمدة نظام الستينيات (سكرتير الرئيس للمعلومات) وسنجد أنفسنا مضطرين اضطرارا لأن نشير إلى قصيدة(نجم) التى بدأنا بها(يعيش أهل بلدى) ولكن ليس من فقراتها إنما من حديث الرجل الذى كان يعلم( دبة النملة)فى بر مصر كما كان يقول لمن حوله.. يقول الأستاذ سامى : كان لدى السادات قناعة لاعتبارات ليس هنا مجال شرحها من أننا لا نستطيع مواجهة أمريكا ويعلم الله بالحقيقة والنوايا فى هذه النقطة بالذات.. لأنى سوف أتفادى أسلوب تفكير المؤامرة( الكلام للأستاذ سامى) ولكن كل الشواهد والأحداث والنتائج تقطع وتقول بأن هذه النقطة كانت صحيحة(نقطة المؤامرة!!)..بدليل وباختصار شديد فقد(غازل)أمريكا باتفاق مسبق مع (روجرز) فى خطابه بمجلس الشعب فى 4فبراير1971(الكلام للأستاذ سامى)وهو الخطاب الذى اعترض عليه كل من على صبرى والدكتورمحمود فوزى ومحمود رياض وعبدالمحسن إبوالنور وشعراوى جمعة وسامى شرف . نكتفى هنا من حديث الأستاذ سامى بهذا القدر(المحفلط المزفلط الفاضى المفبرك) ..فقط تذكروا هذه الأسماء جيدا حين نكمل المقال.