تحتفل الدولة المصرية اليوم 23 مارس بمرور 3 سنوات على توقيع السيسي إتفاقية مبادئ سد النهضة بالخرطوم برفقة كل من رئيس وزراء إثيوبيا والرئيس السوداني عمر البشير. والسؤال هنا, هل حقا إستفادت الدولة المصرية من تلك الإتفاقية. توقيع السيسي على إتفاقية مبادئ سد النهضة في مارس 2015 سبقها توقيع الحكومة المصرية شهر أغسطس 2014 وبتوجيهات من السيسي على إتفاقية أخرى (لايدري عنها الشعب المصري أي شئ) وافقت فيها مصر على مطالب الحكومة الإثيوبية بإستبعاد عنصر (الخبراء الدوليين) في المفاوضات بين البلدين مما جعل المباحثات حول سد النهضة عبارة عن تفاوض وجه لوجه بين الدولتان. وإلي اليوم لا يعلم أحد السبب الحقيقي لموافقة السيسي على (خلع) الخبراء الدوليين الوسطاء في التفاوض بين مصر وإثيوبيا. وهذا هو التنازل الأول الذي وقع عليه وزير الري المصري حسام مغازي بتوجيهات من السيسي شهر أغسطس 2014, ليبداء منحدر التنازلات فيما بعد بتنازله في نفس الشهر وبتوجيهات من السيسي عن مطالب مصر الخاصة بالدراسة الإنشائية ومعاملات أمان السد , وإكتفت مصر بعد ذلك بالوعود الإثيوبية الوردية بتنفيذ تلك الدرسات محليا دون أي تدخل من الخبراء الدولليين. بعد أقل من 3 أشهر من توالي السيسي رئاسة الدولة المصرية تنازل عن أهم (الكروت الفنية ) التي كانت بأيدي الدولة المصرية لفضح الجانب الإثيوبي في المحافل الدولية. وذلك لأن وجود الخبراء الدوليين كان سيأتي بنتائج فنية غير مرضية بتاتا للجانب الإثيوبي. وكان من الممكن جدا أن تستفيد الدولة المصرية من هذا التقرير الفني الدولي في سحب إثيوبيا إلي المحافل الدولية ووضع ضغوط دولية عليها لتحجيم سد النهضة وإعادته للتصميم الأولي الذي كانت تتفاوض فيه مع حكومة حسني مبارك قبل ثورة 25 يناير 2011. فمن المعروف تاريخيا أن المفاوضات بين الحكومة المصرية والإثيوبية حتى نهاية عام 2010 كانت تدور حول سد صغير ذات سعة تخزين لايزيد عن 12 مليار متر مكعب وطاقة إنتاجية لاتزيد عن 1800 ميجاووات. إلا أن الحكومة الإثيوبية أصرت على تعديل حجم بحيرة التخزين من 12 مليار متر مكعب ل 74 مليار متر مكعب صباح يوم سقوط نظام حسني مبارك (الكنز الإستراتيجي للدولة الصهيونية). وأن واقع الأمر يؤكد أن ما ستحجزه إثيوبيا بسد النهضة لن يكون فقط تلك السعة الحجمية ذات ال 74 مليار متر مكعب بل سيضاف عليها قرابة 26 مليار متر مكعب عبارة عن فواقد داخل الفوالق الجيولوجية وفواقد البخر على مدار فترة ال 3 سنوات التي ستمتلء فيها البحيرة. أي أن إجمالي العجز في حصة مصر سنويا بسبب إصرار إثيوبيا على ملء البحيرة على مدار 3 سنوات فقط سيعادل قرابة (74+26=100)/ 3 سنوات = 33.3 مليار متر مكعب . أما في حالة الملء على مدار 5 سنوات فسينخفض العجز ل 20 مليار متر مكعب وفي حالة 7 سنوات سيصل العجز لقرابة 14.5 مليار متر مكعب. فإثيوبيا قد صممت (سد النهضة) ليكون (سد قرني) مثل (السد العالي). ومن بديهيات علم الهيدرولوجي فإنه من المستحيل على أي نهر (ملء) سدان (قرنييان) في آن واحد. فملء سد النهضة يعني بكل بساطة جفاف السد العالي. وعلى الرغم من تقدم الحكومة المصرية بالعديد من الإختيارات الفنية التي تضمن لإثيوبيا توليد طاقة أكبر مما سينتجه سد النهضة ولكن من خلال بناء سد أصغر ذات كفائة أعلى من كفائة سد النهضة التي لاتزيد عن 30%. إلا أن الحكومة الإثيوبية رفضت كل تلك الإقتراحت. ومنها إقتراح أكدته النماذج الهيدروليكية والتي أثبتت أن متوسط كمية الكهرباء السنوية الممكن إنتاجها من سد النهضة بأبعاده الحالية تصل لقرابة 14000 جيجاوات سنوياً، بينما إذا تم تقليل سعة السد إلى النصف فإن إنتاجه من الكهرباء سيصبح 12700 جيجاوات أي (90% من إنتاج السد ذى السعة الضخمة). وهذا الإختيار بحد ذاته كافي جدا لتقليل الآثار السلبية على مصر. إلا أن رفض الحكومة الإثيوبية الإقتراحات الهيدروليكية التي تقدم بها عدد من مراكز الأبحاث المصرية والعالمية تؤكد أن واقع الأمر ليس فقط بناء سد لتوليد كهرباء من سد كهرومائي بل هدفها الحقيقي هو منع مياه النيل الأزرق تحديدا عن الدولة المصرية وتخزين أكبر قدر منها بخزان بحيرة سد النهضة وذلك بهدف تصدير تلك المياه فيما بعد لمصر ومعاملة مياه النيل الأزرق معاملة العرب الخليجيين لبرميل البترول. ولقد جاءت إتفاقية مبادئ سد النهضة لتختزل حقوق مصر في نهر النيل الأزرق فقط فيما قد يسببه (سد النهضة) من أضرار للدولة المصرية دون الأخذ في الإعتبار ما قد يسببه السدود الثلاثة الأخرى ((كارادوبى، ماربل، ومندايا) والتي بدأت إثيوبيا تبنيها تدريجيا بأعالي سد النهضة,ومن المنتظر أن تحجز ببحيراتها الثلاثة مضاف إليها بحيرة سد النهضة قرابة 200 مليار متر مكعب. ولقد أكد السفير الإثيوبي في القاهرة خلال تصريحاته لجريدة الوطن التابعة للمخابرات المصرية بنهاية الشهر الماضي وبكل وضوح أن إثيوبيا تنظر لسد النهضة على كونه (بنك للمياه) وأنها سوف توفر المياه للدولة المصرية أثناء فترات الجفاف وهو ما يعني ضمنيا (تصدير المياه للدولة المصرية) ولقد جاءت تصريحات السفير الإثيوبي في سياق حديثه عن ما تم مناقشته خلف الأبواب المغلقة بين السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا والرئيس السوداني عمر البشير.
وعليه فلا أحد من أبناء شعب مصر ذات ال (100 مليون نسمة) يعلم تماما ماذا وقع السيسي من بنود سرية بإتفاقية سد النهضة تجعل من إثيوبيا لا تبالي بأي ضغوط مصرية بل تتعنت بكل ما لديها من قوة بهدف تعطيل أي دراسات فنية بشأن سد النهضة لأنها تدري تماما أن خروج أي دراسة فنية من قبل الخبراء فنيين سوف يدينها أمام المحافل الدولية في حالة إنسحاب مصر من تلك إتفاقية المبادئ بعد سقوط نظام السيسي حامي حمي المصالح الصهاينة بالشرق الأوسط. وقد يبدوا هذا هو السبب الحقيقي في رفض السيسي على مدار السنوات الثلاثة الماضية تقديم إتفاقية مبادئ سد النهضة للبرلمان لمناقشتها, وذلك في محاولة منه لإخفاء ما خططه من كوارث وتنازلات لايعلم عنها الشعب المصري شئ. متبعا في ذلك سياسة الصدمة مثلما تم في قضية تيران وصنافير ومن قبلها إتفاقية التنازل عن حقول الغاز الطبيعي بشرق لمتوسط لأولاد العم في إسرائيل وقبرص واليونان. وسلام دكتور مهندس/ محمد حافظ أستاذ هندسة السدود والسواحل الطينية بجامعة Uniten-Malaysia