أصبح مسلسلا يوميا ما تنشره الصحافة "الإسرائيلية" من أخبار عن علاقات سرية وتطبيع غير معلن بين دول عربية وخاصة خليجية و"إسرائيل" ، وأحيانا تتعمد بعض الأخبار ذكر اسم هذه الدولة أو تلك ، وأن التنسيق جار بين الحكومتين ، أو أن وجهات النظر متطابقة تجاه ملفات المنطقة ، وكلام متنوع على هذه النغمة ، وكثرت هذه الأخبار بشكل لافت ومثير للدهشة في الصحافة الإسرائيلية حتى أصبح السؤال الضروري : لماذا تسارع الصحافة الإسرائيلية إلى نشر هذه النوعية من الأخبار وبكل كثافة ، رغم معرفتها بأنها لو كانت صحيحة تضر فكرة التطبيع ذاتها ، وتحرج تلك الدول المشار إليها ، وتجعلها أكثر ترددا لو كانت تنوي ذلك ، كما أن الصحافة الإسرائيلية تعرف بشكل جيد جدا أن هذه النوعية من الأخبار مهينة سياسيا للدولة التي تنسب لها ، ومحرجة لقياداتها وشعبها ، وتعتبر من باب تلويث السمعة ، فإذا كانت هناك جهود بالفعل للتطبيع ، فلماذا تفعل الصحافة الإسرائيلية بهم كل ذلك ، بدلا من تشجيعهم عليها . الأكثر غرابة أنه أصبح واضحا وجود "مزاج" عربي شعبوي متلهف على هذه النوعية من الأخبار ويسعد بها ، وينفخ فيها ، ويتلمس دقائقها ، ويوزعها على أوسع نطاق فرحا بها ومنتشيا ، تشعر بأن هناك حالة من الابتهاج بتأكيد أن هذه الدولة أو تلك تطبع مع الصهاينة ، شيء مذهل ، وهو طبعا من باب الشماتة أو الكراهية ، ولكن في المحصلة بعد أن كان محزنا أن نسمع شيئا من ذلك أصبحنا بدافع النكاية والشماتة نتمناه ونسعد بأخباره ولو كانت مزيفة ، ولربما كان يوم سعد أحدهم لو تحقق الخبر فعلا وطبعت هذه الدولة أو تلك رسميا مع الكيان . وواضح أن الصحافة الإسرائيلية فهمت هذه اللعبة جيدا ، وأصبحت تتلاعب بعقول العرب يوميا في هذه المسائل ، وقد استوعبت أبعاد الصدع في العلاقات العربية ، والخلافات الخليجية تحديدا ، وأن هناك من يستخدم تلك التسريبات المجهولة والتي لم تؤكدها على الإطلاق أي جهة محايدة ، للنكاية بخصمه ، وكله يخدم ترويج الدعايات الصهيونية بدون شك ، إعلاميا ونفسيا ، بحيث يتسرب يوميا إلى مشاعر العرب بأن التطبيع حادث لا محالة وأنه يحدث من وراء ظهر الجميع وأنه لا داعي للمقاومة أو الصمود كما لا داعي لتعليق الأمر على حقوق الشعب الفلسطيني ، ومع الأسف يقوم بعض "المتحمسين" العرب بالمساهمة في ترويج هذه الرسالة المحبطة وترسيخها بدون وعي . هذه اللعبة ، من السهل جدا أن يستخدمها الصهاينة في إحراج معسكر ما يسمى بالمقاومة والممانعة ، ولكن الملاحظ أنهم لا يفعلون ذلك أبدا ، لا مع نظام بشار المهترئ والمتداعي ولا نظام ملالي إيران ولا حزب الله اللبناني الذي اخترقوه إلى مستوى القيادات أمنيا ، واعترف الحزب بذلك من قبل ، لا تحاول الصحافة الإسرائيلية تسريب أي خبر من قبيل العلاقات أو التواصل السري مع أي طرف من هذه الأطراف أبدا ، رغم سهولته وصعوبة إثبات عدم صحته ، ورغم أنه في المعيار السياسي معركة سهلة وتسبب إرباكا وشكوكا وعلامات استفهام ، ولكنهم لا يفعلون . الإيجابية الوحيدة في تلك اللعبة التي أصبح الإعلام الإسرائيلي يحترفها هذه الأيام وبكثافة واضحة ، أن الصهاينة ما زالوا يدركون أن "التطبيع" تهمة وسبة ، إذا ألصقت بأحد شانته وأساءت إليه ، فردا كان أو حزبا أو دولة ، وعلى الرغم من أن التطبيع "الرسمي" بين مصر وإسرائيل يتجاوز عمره الآن أربعين عاما ، إلا أن الوجدان والوعي الشعبي العربي من المحيط إلى الخليج يتعامل معه كتهمة وعار ، يهرب منها ويتبرأ منها ، ولعل هذا أكثر ما يؤلم الإعلام الإسرائيلي ، رغم الحال البائس الذي عليه العرب هذه الأيام . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1