ليست هناك فئة تعمل لغير صالحها غير أساتذة الجامعات، رغم أن منهم الوزراء ورئيسهم، ونواب الشعب ورئيسهم.. هؤلاء الأساتذة- أو الجامعيون- لهم قانون لم يتغير منذ أربعين سنة، ولم يكن من شغل شاغل لوزراء التعليم العالى خاصة فى العشرين عامًا الماضية إلا العبث ببعض نصوصه على غير رغبة المجتمع الجامعى، وكأن هؤلاء الوزراء لم يأتوا لرعاية مصالحه، وإنما جاءوا لإيذائه فى إطار تصفية حسابات مع البعض والأخذ بالثأر من البعض، الأمر الذى جعل الجامعيين فى لهاث غير منقطع كان من نتيجته تدهور منظومة التعليم على النحو، الذى نراه الآن ورحنا نعالجه بالمزيد من الأخطاء. * * * وبعد ثورة يناير تجدد الأمل فى التغيير ونشطت الجامعات وأنديتها فى وضع تصور لقانون جديد ليواكب التطور.. وتعاقب خلال العام الفائت أربعة وزراء لم ينجز أى منهم أى شىء غير أحاديث جوفاء عبر الإعلام للتلهية. * * * وقبل أيام أطلعنا على مسودة- ليست الأولى- لقانون جديد للجامعات. عجبت لما فيه من نصوص، وتساءلت عمن صاغها وكيف صيغت، وما الجديد فيها غير القبح والقماءة، والاستهانة.. مؤكدًا أن الرءوس التى صاغت هى ذات الرءوس فى العهد الفاسد. فها هو مجلس الجامعة يضم فيما يضم محافظ الإقليم بلا مناسبة ليتدخل فيما لا يعنيه، ولينتظره رئيس الجامعة ونوابه على باب الجامعة لتحيته والترحيب به، ثم توديعه عند انصرافه، الأمر الذى ينال من وقار المجلس والجامعة معًا.. ولا يقولن أحد أن مشاركة المحافظ هى من قبيل التلاحم بين الجامعة والمجتمع. ثم يؤتى بتشكيل مجلس الكلية مستبعدًا شيوخ الأساتذة، وضامًا موظفى الكلية وطلابها ومعاونى هيئة التدريس!! ثم تواصل النصوص تدنيها لتجيز أن يتولى أستاذًا مساعدًا- كان بالأمس مدرسًا- عمادة الكلية مع ما يمثله ذلك من الحط من قدر العمادة والتهوين من أمرها. ثم تصل المأساة إلى قمتها عند المادة الحادية والسبعين، التى تجيز إبعاد-أى طرد- عضو هيئة التدريس إلى وظيفة خارج الجامعة، وهى مادة بغيضة وضعت فى عقود الديكتاتورية للتخلص من أى ناشط أو صاحب رأي، وقد استخدمها أنور السادات وطرد أفضل الأساتذة من الجامعة بسبب معارضتهم للباطل الذى افتراه.. ومرارًا ما نودى بإلغائها، وها هى تأتى اليوم بكامل هيئتها وقوتها فى إشارة إلى فساد الرءوس التى أبقت عليها.. ليس هذا فحسب، بل صيغت مادة أخرى توأم لها للهيئة المعاونة.. هل رأيتم حرصًا أحرص من هذا الحرص! وللمأساة قمة أخرى تتمثل فى محاكمة عضو هيئة التدريس، فهو ليس بريئًا، كما تقضى القاعدة العامة (المتهم برىء إلى أن تثبت إدانته)، وإنما استثناء من خلق الله كلهم هو مدان سلفًا، ويجب أن يوقف عن العمل، ويفضح، وأن يحرم من ربع راتبه إذلالا وتحقيرًا. * * * أى خير يرجى لمجتمع ينحى علماؤه ليحل محلهم من هم دونهم خبرة وعلمًا.. أى جوقة صاغت هذا الهراء، وسمحت لنفسها أن تحرم مجالس الأقسام والكليات من شيوخ الأساتذة.. ومن ذا الذى أعطى زمام هذا الأمر لهذه الجوقة، التى تفتقر إلى الرؤية وحسن النية وعدم تقديرها لخطورة الأمر، هم كالطفل الذى لا يقدر ما فى يده.. هذه الجوقة بجهلها لا تريد للجامعة خيرًا، ولا للبلد أن تنهض، بل تدعو إلى نبذ العلم والالتفات عن أربابه. القانون القائم حاليًا قبل أن تمتد إليه اليد الشهابية بالعدوان عليه قانون طيب ولا يعوزه إلا القليل من التعديل.. يعوزه تغيير مسمى الرئيس إلى المدير، كما كان من قبل.. فالرواد الأوائل، رغم ما تميزوا به من خصال يفتقر إليها كثير من الخلف، لم يكونوا رؤساء للجامعة، وإنما مدراء لها يصرفون أمورها.. ويعوزه أيضًا جعل القرارات من اختصاص مجلس الجامعة وليس مديرها.. ويعوزه ثالثًا تغيير مسمى مجلس التأديب إلى مجلس مساءلة يشكله ثلاثة من مستشارى مجلس الدولة.. ويبقى تعديل جدول المرتبات بما تسمح به ذمة الدولة. وأقول للوزير الجديد.. لا تجهد نفسك فى صياغة قانون جديد للجامعات، فالجامعيون راضون بما هم فيه، إذ لا يطمئنون إلى ما تخبئه لهم الأيام، وقد عانوا عقودا من العبث بمقدراتهم.. كما أرجو أن نكف عن الحديث عن العلم والعلماء ودورهما فى نهضة الأمم، إلا إذا كانت أمما غيرنا، فلا علم لدينا وعلماؤنا مهمشون، مهملون.