حسمت المحكمة الإدارية العليا أمر التشكيك في قانونية إجراءات انتخابات الرئاسة وأيضًا صحة إحالة دعوى العزل إلى المحكمة الدستورية وأنهت أيامًا من القلق لدى قطاع كبير من المصريين، كما أحبطت أفراح قطاع واسع من الفلول كانوا قد احتفلوا مبكرًا بإلغاء الانتخابات وزفوا البشرى للشعب بطريقة مسفّة للغاية بأن الانتخابات الرئاسية أصبحت "تاريخًا"، الآن بدأ الجميع يتأهب لأيام الحسم في الأمتار الأخيرة لاستحقاق انتخاب أول رئيس "منتخَب" للجمهورية منذ تأسيسها. انتخابات الرئاسة ليست نهاية المطاف في التدافع السياسي الحالي والذي أعقب ثورة يناير، وإنما هي خطوة، ربما تكون الأكثر أهمية، في تقريب مصر من الاستقرار وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية ، ولا نتصور ولا نتوقع أن تكون انتخابات الرئاسة هي الحل السحري الذي يُنهي كل شيء ويملأ الأرض عدلاً ونورًا ورخاءً بعد أن مُلئت اضطرابًا وظلمًا وفقرًا ، وإنما الانتخابات المقبلة هي التي تضع الوطن على مسار الإصلاح الحقيقي؛ لتصبح أشواق العدل والرخاء والحرية واقعًا حقيقيًا ونمط حياة وثقافة مجتمع مع مرور الزمن القريب ، أقول هذا لكي نقطع الطريق على طرفين في الحراك السياسي الآن : الأول يحاول ترسيخ روح الإحباط في المجتمع بالادّعاء المتكرر بأن الانتخابات لن تحرك شيئًا ولن تنهي الفوضى ولن تحقق أهداف الثورة ، وهو فريق خليط مع الأسف والغرابة من فلول يفعلون كل شيء من أجل إشاعة روح الإحباط واليأس بين المصريين ، وقطاع من شباب الثورة يتمسك بالمثالية المفرطة في تحقيق أهداف الثورة ضربة واحدة ، ولا يعتبر بعنصر الوقت والتدرُّج ، والفريق الآخر هو فريق مُفرِط في طوباويته ، يرى أن الانتخابات هي معركة الحسم وهي نهاية المطاف وأن كل شيء يمكن أن يتم إنجازه فور انتقال السلطة من المجلس العسكري للسلطة المدنية ، والحقيقة أن مصر وحراكها السياسي في حاجة ماسة الآن إلى العقلانية السياسية ووسطية الأشواق والطموحات والاعتبار بأهمية عنصر الزمن في "كيمياء" الإصلاح ، فلا تأخُّر تحقيق أهداف الثورة كاملة يعني أنها فشلت ، ولا تحقيق إنجاز فيها مهما كبِر يعني أننا يمكن أن نضرب ضربة واحدة، فننهي كل شيء ، والتفكير بمنطق : كل شيء أو لا شيء ، لا يناسب الوطن الآن ؛ لأن طريق الإصلاح طويل ، ولكن أهم ما فيه الخُطوة الأولى والانطلاقة وأن تضع قطار الإصلاح والنهوض في مساره الصحيح ، فتصبح الأهداف والأمنيات مجرد وقت لا أكثر ، ولكن تحقيقها يقيني بإذن الله . ولعل العلاقة بين الدولة وسلطتها المدنية من جانب والمؤسسة العسكرية من جانب آخر إحدى تلك المحطات الصعبة التي يتوجب استيعابها في المرحلة الانتقالية ؛ فالمؤسسة العسكرية تقاطعت مع الدولة في جميع المجالات والشؤون تقريبًا على مدار ستين عامًا ، كما أن التحديات التاريخية التي فرضت على مصر وضعية خاصة في صراعاتها العسكرية في المنطقة جعلت للجيش موقعًا استثنائيًا ، وطبيعة السلطة سابقًا والتي كانت تعتمد في شرعيتها بالكامل على المؤسسة العسكرية والذراع الأمنية وليس على الشعب، جعلت هناك ثقافة عسكرية يصعب تفكيكها بسهولة ، وهو ما يعني أن إصلاح العلاقة وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية صحيحة ومُرضية للجميع، يحتاج إلى وقت وإلى حوار وإلى تفاهم وأيضًا إلى تراكم للخبرة السياسية والمدنية للمؤسسة العسكرية وللقوى السياسية الجديدة التي تتصدَّر لإدارة الدولة ، ولن يقلل هذا الأمر من جوهر وأهمية وتاريخية إنجاز انتقال السلطة من العسكر إلى سلطة مدنية لأول مرة في تاريخ الجمهورية عقب انتخابات الرئاسة ، وتجارِب شعوب ودول أخرى إقليمية وعالمية، تؤكد على أن هذه العلاقة يمكن إصلاحها واستيعاب تداعياتها بالحكمة والتدرج وعدم الاستعجال والإحساس العالي بالمسؤولية لدى كل أطراف المعادلة . [email protected]