تعود الأطماع الصهيونية في القارة الإفريقية إلى المؤتمر الصهيوني الأول في بال عام 1897، وقد سجل (هرتزل) في مذكراته بتاريخ 13-5-1905 بدايات التوجه الصهيوني في إفريقية قائلاً: "في ساعات الأمس واليوم المثمرة رسمت خطة جديدة انطلقت من اقتراح أوغندا الذي تقدم به (تشمبرلين) ووصلت إلى موزمبيق. سوف أحاول الحصول على هذه الأرض الخاملة من الحكومة البرتغالية التي هي في حاجة إلى المال." وقد شرح (هرتزل) ماذا تم في المؤتمر السادس في رسالة بعث بها إلى قادة إحدى الجمعيات الاستعمارية اليهودية في 15 سبتمبر أيلول 1903 فقال: "في طريقنا إلى فلسطين، هذا الطريق الذي نمضي فيه بكل ثبات، وبكل ما أوتينا من نشاط، وصلنا إلى نتيجة مرحلية. فقد عرضت علينا السلطات البريطانية مستعمرة تتمتع بحكم ذاتي في شرق إفريقية. وقد قابل المؤتمر بالإجماع هذا العرض النبيل بالامتنان العميق، وقررت غالبية المؤتمر إيفاد بعثة لاستطلاع المنطقة المذكورة وتفحّص أحوالها. وبعد وصول البعثة سيُعقد مؤتمر خاص لاتخاذ قرارات بشأن الموضوع". هذه المقدّمة تختصر أهميّة إفريقية بالنسبة للصهيونية العالمية في الماضي، أما في الحاضر، فتشغل القارة الإفريقية موقعاً متقدماً في قائمة أولويات السياسة "الإسرائيلية" ولا سيما بعد الدراسات الشاملة التي أجرتها "إسرائيل" لتحديد معالم "الدولة الصهيونية" بحلول عام 2020. وتؤكد هذه الدراسات أن "إسرائيل" تحتاج أن تضمن أمن حدودها ونجاحها التقني والاقتصادي. وتركز على ضرورة تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية وإقامة تحالفات إقليمية. وحتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، لم تكن ل"إسرائيل" أي نشاطات ملحوظة في القارة الإفريقية؛ لأن الدول المستقلة في إفريقية في ذلك الوقت لم تزد على خمس دول. و لكن بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، نجحت "إسرائيل" في إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من الدول الإفريقية مثل: أنجولا ونيجيريا وتوجو وجامبيا وغيرها، إلى حد وصل فيه عدد الدول الإفريقية التي تقيم "الدولة العبرية" علاقات معها إلى (45) دولة بحلول عام 2002. و على الرغم من أن هناك انطباعاً سائداً لدى الكثيرين بأن إستراتيجية "الدولة العبرية" و نفوذها و دائرة مصالحها تقتصر على منطقة الشرق الأوسط فقط لوقوعها في هذه الدائرة، إلاّ أنّ الصحيح هو: إن "إسرائيل" تتمتع بالقدرة على النفاذ إلى العديد من الدول سواء في قارة إفريقية أو في غيرها من القارات. و فيما يتعلق بإفريقية فهي تتسلل خفية لتنفيذ برنامج عمل سياحي واسع كغطاء لتعزيز وجودها في القارة الإفريقية. وترتبط نيات "إسرائيل" في إفريقية بأبعاد سياستها الخارجية. وتوضح الدراسات أن الخريطة الديموغرافية للبنية الصهيونية تضم نسبة كبيرة من المهاجرين ذوي الأصول الإفريقية. وتشكّل نسبة المنحدرين من أصول إفريقية 15% - 17 % من سكان الدولة العبرية. وطبقاً للباحثين، يوجد عاملان يحكمان سياسة "إسرائيل" الخارجية: يستند العامل الأول إلى الأمن القومي "للدولة العبرية"، والثاني إلى تطبيق سياسة تقوم على التفوّق العرقي. و بشكل عام فإنّ النفوذ الصهيوني يكتسب ثلاثة أبعاد اقتصادية و سياسية و عسكرية. فمن الناحية الاقتصادية، يقول (بن غوريون): "إن إسرائيل هي السند الحقيقي للغرب في إفريقية". ولهذا نجد أن اهتمام الدولة الصهيونية لا ينحصر في إقامة علاقات تجارية تهدف إلى زيادة حجم التبادل بينها وبين الدول الإفريقية، بل يتعداه إلى تقديم المساعدات الفنية والاقتصادية لكثير من هذه الدول. وتعمل إسرائيل على ربط السوق الإفريقية بالسوق العالمية تمشياً مع وظيفتها كوسيط استعماري. أما الدوافع السياسية فهي تتلخص في محاولة إسرائيل توليد قناعة لدى الغرب، وخصوصاً الولاياتالمتحدةالأمريكية بمدى أهمية الدور الإسرائيلي في تحقيق الحفاظ على المصالح الغربية، وكذلك الرغبة في كسب الرأي العام الإفريقي في مواجهة التأييد الإفريقي المتنامي لوجهة النظر المؤيدة للقضية الفلسطينية. عسكرياً، تسعى إسرائيل إلى إحداث مشاكل وتوترات بين الدول العربية والإفريقية، وخصوصاً ذات الحدود المشتركة، مما يشغل العرب عن القضية المركزية ضد "إسرائيل"، ومحاصرتهم في نطاق القارة وتأمين مداخل البحر الأحمر المؤدية إلى "إسرائيل"، ولعب دور خاص ومتميز للمصالح الأمريكية في إفريقية، ومساندة الأنظمة الموالية للنفوذ الغربي الصهيوني في إفريقية، و التركيز على مسألة الثروة المائية و محاولة استثمار مياه نهر النيل للضغط سياسياً و اقتصادياً على مصر، و محاولة عزلها نهائياً و تهديد أمنها القومي المائي، و في نفس الوقت مساومة الدول الأخرى على مقايضة مياهها نتيجة للأزمة المائية التي تعاني منها "إسرائيل". و على أيّة حال فنفوذ "إسرائيل" الخارجي لا بدّ أن يكون انعكاساً لقدرتها الداخلية أيضا على إدارة الأمور، و لذلك فإنّ أي تقهقر داخلي قد يدفع هذه العلاقات الخارجية إلى التراجع، و هذا ما يجب التركيز عليه في إطار الصراع مع "إسرائيل" و أخذه في الحسبان، و عدم إتاحة المجال للامتداد خارج شرنقتها. المصدر : الاسلام اليوم