فى نفس هذا المكان.. كتبت يوم 5 يناير الماضى مقالاً بعنوان (انتخابات برلمان الثورة.. إيجابيات وسلبيات) وفى هذا المقال رصدت عددًا من السلبيات التى أفرزتها الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب والتى طالبت بتفاديها فى الانتخابات القادمة.. ومن بين الاقتراحات التى قدمتها تخصيص مقعدين لكل دائرة انتخابية تحت قبة مجلس الشعب، أحدهما يخصص للقوائم الحزبية وتفوز به القائمة التى تحقق أعلى نسبة من الأصوات، ونفس الوضع بالنسبة لمقعد الفردى الذى يفوز به المرشح الفائز بأعلى الأصوات بغض النظر عن كونه "فئات أو عمال وفلاحين" (وهى النسبة التى اقترحت فى نفس المقال إلغاءها). كما طالبت بأن يتم منع الأحزاب من الترشح على المقاعد الفردية ويتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك، ومنها ألا يكون المرشح عضوًا حاليًا أو سابقًا بأحد الأحزاب لنترك الفرصة للناخب لاختيار المرشح حسب اختياراته. وقلت أيضا إن هذه التصورات تحقق عدة أهداف، منها: تحقيق التواصل الفعَّال بين النائب والناخب، والقضاء على سطوة الأغلبية المطلقة تحت القبة، وإتاحة الفرصة للمزيد من التنوع فى الآراء تحت قبة البرلمان الجديد بعيدًا عن تصفية الخلافات السياسية. وجاء الحكم الأخير الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار مجدى العجاتى، بإحالة عدد من نصوص قانون مجلس الشعب إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها، والتى تتضمن عدم قصر الانتخاب الفردى على المرشحين المستقلين غير المنتمين لأى حزب من الأحزاب السياسية – جاء – ليؤكد صحة ما سبق أن كتبته على صفحات جريدة (المصريون) المحترمة. وقالت المحكمة فى أسباب حكمها إنه تراءى لها أن بعض النصوص المتعلقة بكيفية تكوين مجلس الشعب لم تلتزم فى ما تضمنته بمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، حيث إن هذه النصوص فرضت أولوية وأفضلية للأحزاب ومرشحيها من عدة وجوه منها أنها جعلت انتخاب ثلثى الأعضاء بنظام القوائم الحزبية والثلث الآخر بنظام الانتخاب الفردى، رغم أن الشرعية الدستورية تستوجب التزامًا بالمبدأين المشار إليهما أن تكون القسمة بالسوية، وهو ما كان قد التزمه المرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الشعب، حيث تضمن أن يكون انتخاب نصف الأعضاء بنظام الانتخاب الفردى والنصف الآخر بنظام القوائم الحزبية، غير أن هذه القسمة تم العدول عنها إلى القسمة الحالية "الثلثين للأحزاب والثلث فقط للمستقلين". وأضافت المحكمة أن الشرعية الدستورية توجب قصر الترشيح والانتخاب بالنسبة لمقاعد الانتخاب الفردى على المستقلين فقط وهو ما كان قد التزمه المرسوم بقانون 120 لسنة 2011، إلا أن هذا الشرط ألغى المرسوم بقانون 123 لسنة 2011 بما جعل النصوص الحالية مشوبهة بعدم الشرعية الدستورية لأنها بذلك فرضت فرصتين لمرشحى الأحزاب. وقد أثبتت الممارسة البرلمانية لمجلس الشعب خلال الأسابيع الماضية صحة كل ما كشفت عنه وأيدته المحكمة الإدارية العليا فى حكمها الأخير.. وهنا تتبقى عدة تساؤلات منها: هل هذا الحكم يهدد مجلس الشعب بالبطلان؟ وإذا كانت الانتخابات الأخيرة قد أجريت على أساس باطل ومخالف للدستور والقانون فكيف يتم تصحيح هذا الوضع المعيب؟ وهل يمكن أن يتخذ المجلس العسكرى أو الرئيس القادم لمصر قرارًا جريئًا بإعادة الانتخابات من جديد وتطبيق أحكام القضاء واحترام نصوص الدستور للقضاء على سيطرة الأحزاب على مقاعد البرلمان، وهو ما أدى إلى تفرغها جميعا - بدون استثناء - للبحث عن (الشو الإعلامى) وتصفية الحسابات فيما بينها على حساب قضايا الوطن ومصالح الجماهير؟.