لا أحد ينكر العلاقة الإيجابية بين معامل الذكاء ومستوي المعيشي للإنسان، فغالباً ما يمتهن أصحاب الذكاء المنخفض وظائف متواضعة، أما أصحاب الذكاء المرتفع غالباً-ليس دائماً-ما يحصلون علي مقابل مادي مرتفع من خلال وظائفهم وادوارهم في المجتمع. لكن لا زالت مدارسنا وأولياء الأمور وثقافة مجتمعاتنا عموماً تربط بين ذكاء التحصيل العلمي والقدرات والتقييمات التعليمية والمستقبل الأحسن للطلاب الاوائل، لأن ذلك سوف يضمن لهم الثروة والجاه والسعادة في الحياة، بينما في الوقت نفسه يتجاهلون ذكاءات اخري هامة وهي ذكاء المشاعر وذكاء المعاملة وكذلك الذكاء في فهم الذات ومعرفة. في ذات السياق فإنه ليس بالضروري أن يرتبط النجاح في الحياة بمستوي ودرجة الكفاءة والقدرة التعليمية الي الدرجة التي صرح بها بعض أساتذة علم النفس بأنهم لا يفضلون أن يكون أبنائهم علي رأس قائمة المتفوقين، وإنما يرغبون بأن يكونوا ضمن الأوائل، لأنه في الغالب-حسب رؤيتهم-قد يصاحب القمم في التحصيل الدراسي بعض السلوكيات والامور النفسية وتلزمهم بمتطلبات قد تعرقل نجاحهم في الحياة الإنفعالية أو الحياة بالعموم. المعروف أنه الأكثر نبوغاً قد يتعثرون-كما يقول بعض المهتمين-في خضم أهوائهم الجامحة وإندفاعاتهم العاصفة، لذا فإنهم قد يكونوا ملاحين فاشلين تماماً في حياتهم الخاصة، هذا ما اكده عالم النفس المعروف هوارد جاردنر في قوله عن أن الكثير من الأشخاص مرتفعي الذكاء بمعامل ذكاء "مائة وستون" يعملون تحت قيادة أشخاص معامل ذكائهم أقل وهو "مائة" فقط، ويضيف جاردنر أنه إذا كانت الفئة الاولي لديها ذكاء ضعيف في سبر الذات فإن الفئة الثانية تمتلك ذكاءاً مرتفعاً في ذلك، ولا يوجد ذكاء أهم من ذكاء المعاملة، ومن يفتقر لمثل هذا النوع من الذكاء سوف لا يحسن إختياره للزوجة-او الزوج- والعمل وفشل في كل الإختيارات الهامة في حياته، لذا يجب أن نعلم أطفالنا الذكاءات الشخصية داخل المدارس. في مجتمعاتنا غالباً ما يكون للطبقة الإجتماعية-محسوبية أو وساطة وغيرها- أو الحظ دوراً في تحديد المركز الإجتماعي للأشخاص وليس للذكاء دور كبير في ذلك. مقولة شهيرة لارسطو "إعرف نفسك" هي مربط الفرس، فمعرفة النفس والوعي بالذات تجعل يقدر علي ذلك من الناس تلقائيون ويتمتعون بصحة نفسية جيدة، كما يتسمون بمظهر إيجابي في كل امور حياتهم، هذا بالإضافة الي ثقتهم في حدودهم الذاتية وقدرتهم علي التخلص من المشاعر السلبية والهواجس والافكار السيئة، في المقابل فإننا نجد من ينغمسون في مشاعرهم وذواتهم جامدون وعاجزون عن الهروب او التخلص منها بما يفتقدون من وعي بخطورتها، لذا فإنه من السهل هلاكهم وضياعهم بسبب عجزهم الإنفعالي وامية مشاعرهم حيث فقدانهم الإحساس بالآخرين سواء إحتياجاتهم، آلامهم، مشاكلهم، بالإضافة الي أن بعض هؤلاء الاذكياء قد يتصرفون بجنون وحمق وتدني لا إنساني، وهذا ما يؤكده أحد المفكرين حيث يقول "لا تناقض بين أن يكون الرجل أكبر عالم شهدته الدنيا في علوم الذرة-مثلاً-وأن يكون في الوقت نفسه أسفل سافلين من حيث قيمه واهدافه في حياته وحياة البشر". تلعب الجينات-الوراثة-دور في نقل الذكاء بدرجة ما من الأباء للأبناء، هذا بالإضافة الي ما يصاحب بعض الأذكياء او أقاربهم من بعض الخلل نفسي ذلك ما يؤكده الكثير من العلماء، هذا ما تؤكده "مات ريدلي" في كتابها "الطبع عبر التطبع-الجينات والخبرة وما يجعلنا آدميين" فقد أكدت علي دراسة دقيقة تؤكد أن هناك درجة من الخلل العقلي في 28% من العلماء البارزين و60% من الملحنين، و 73% من الرسامين، و77% من الروائيين، و87% من الشعراء. من الملاحظ كما أوضح الباحثين أن "الفصام" وهو أحد الأمراض النفسية يظهر في العائلات الناجحة والذكية، وغالباً ما يكون الأفراد أذكياء بطريقة عجيبة ويتمتعون بالثقة بالنفس والتركيز الشديد، وهذا ما اكده "جالتون" في قوله "لقد ثارت في نفسي الدهشة عند إكتشاف أن الجنون غالباً ما يظهر بين أقارب أحسن الرجال قدرة".