كثيرون استسلموا ووضعوا انفسهم بين انياب وحش لا يرحم اسمه الثانوية العامة..تظل دمائهم ودماء المقربين منهم تنزف سنوات طويلة حتى بعد ان ينفكوا من بين انياب الوحش، فكرنا العقيم وثقافتنا المحدودة هي التي تغذى عليها الوحش وتضخم، تصورنا وصورنا لأبنائنا ان الثانوية العامة هي نهاية المطاف بينما هي بدايته، صورنا لهم ان المستقبل يتشكل في نقطة واحدة وفي سنة واحدة بينما المستقبل يفتح ابوابه مدى الحياة لمن يريد..هناك من بلغوا من الكبر عتيا ومازالوا يبحثون ويتحدثون عن مستقبلهم..افكارنا تصنع حياتنا..وحياتنا سلمناها لعقولنا البائسة ووضعناها رهينة بين يدي مكتب تنسيق اصم واعمى وابكم يعكس سياسة دولة ما بينها وبين التقدم امداً بعيدا..سذاجتنا وضحالة فكر المؤثرين في حياتنا جعلتنا نصنف محاريب العلم ما بين قمة وقاع..صنفوا العلم مابين علم السيادة وعلم الهلافيت!!..جهلوا ان الكليات هي اوعية للعلوم.. العلوم لا يصنفها مابين قمة وقاع الا جاهل.. ولأننا نحيا ونموت ونأكل ونشرب على المظاهر والتفاخر لا يرضينا الا لقب الدكتور او المهندس، ومن تتخطاه كليات السيادة فهو فاشل كبير عليه ان يتجرع مرارة فشله مدى الحياة!!..فشلنا في رؤية حقائق تتشكل في واقعنا الجديد، العالم كله يتغير وبرزت فيه مجالات عمل وابداع لا يحدها حدود ، حتى المال الذي صورنا لأنفسنا ولأبنائنا بانه يفتح ابوابه امام الدكتور وامام المهندس نكتشف في واقعنا ان هناك من يفوقهما دخلاً ومكانة وتاثيراً ولم يحيا في طب او يموت في هندسة وربما لم يجلس يوماً على ( تختة)!!..الأدهى من ذلك لو اجرينا دراسة مستفيضة على الملتحقين بكليات القمة كما يسمونها لوجدنا ان نسبة كبيرة للغاية من طلاب هذه الكليات التحقوا بها بحثاً عن مجد ومال ومكانة اجتماعية وارضاءاً لكبار قتلتهم المظاهر و( الفشخرة)..لم يلتحقوا بها لأنهم يحبونها او يهوون الدراسة فيها او يبحثون عن اداء رسالتهم في الحياة من خلالها..حتى ما نرغبه ونهواه وما يناسبنا قتلته ماديتنا المفرطة ونظرتنا القاصرة..الأمر بسيط للغاية اذا كنت تهوى العلوم فمن الحماقة ان يكون الطب هو خيارك الوحيد، أي كلية تدرس العلوم ستجد فيها نفسك وستجد فيها علماً يشبع نهمك..وهذا ينطبق على كل العلوم الأخرى..اما اهم ما يجب ندركه ونعيه جيداً ان هذا العصر لا يعترف سوى بالمتميزين..الأعداد كبيرة وكثيرة في كل مكان ومجال، ان تكون متميزاً هذه هي القضية وفصل الخطاب، المتميز سعره مرتفع في السوق والطلب عليه كبير والبدائل المتاحة امامه كثيرة مهما كانت حالة سوق العمل..الطبيب المتميز سعره مرتفع وكذلك المهندس والمدرس والسباك والنجار والكهربائي..السؤال الكبير الذي نحتاجه في ترويض وحش كاسر افسد علينا حياتنا : ماهو المجال الذي استطيع ان أتميز فيه واقدم فيه قيمة حقيقية ومؤثرة في هذا العالم؟