برلين والإسكندرية وبورسعيد

أعرف أن كثيرين منا لا يتابعون الدورى الألمانى بشغف أو اهتمام.. فهو ليس من المسابقات الكروية ذات الجاذبية العالمية مثل دورى إنجلترا أو إسبانيا.. وينحصر اهتمامنا فقط فى بايرن ميونيخ، باعتباره أشهر ناد فى ألمانيا، وأحد أهم أندية العالم، والذى سيلعب بعد أيام نهائى دورى أبطال أوروبا.. أو نادى بروسيا دورتموند، الذى يلعب له النجم المصرى الكبير محمد زيدان.. لكننى الآن أطلب من هؤلاء الكثيرين الالتفات إلى الدورى الألمانى الذى انتهى موسمه الحالى أمس الأول.. وأطلب منهم بالتحديد التوقف أمام نادى «هرتا برلين».. النادى الذى يشارك فى الدورى الألمانى ممثلا لمدينة برلين.. وبرلين بالنسبة لألمانيا ليست مجرد عاصمة أو مدينة كبرى، لكنها اختصار لتاريخ ألمانيا وانتصاراتها وانكسارها وقوتها وتقسيمها.. وقد تأسس نادى «هرتا برلين» عام 1892.. وعاش كل تطورات وأحوال ألمانيا العسكرية والسياسية والاجتماعية.. ودفع ثمنها أيضا.. فكان يلعب باسم برلين وهى عاصمة الإمبراطورية والدولة التى تريد احتلال العالم فى حرب عالمية أولى.. ولعب أيضا باسم برلين وهى مدينة الزعيم النازى هتلر وقلعته القوية.. ثم دفع خسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية وتقسيمها إلى شرق وغرب.. وبقى «هرتا» يلعب الكرة فى المدينة الممزقة المجروحة والمنكسرة.. وعادت ألمانيا تتحد من جديد، وعاد «هرتا برلين» يلعب من جديد باسم العاصمة التى عادت مرة أخرى قوية وجميلة..
وفى هذا الموسم الذى انتهى أمس الأول.. واجه «هرتا برلين» المشكلات التى لا أول لها ولا آخر.. ففقد الكثير من قوته واهتزت نتائجه وتعددت هزائمه وقضى الأسابيع الأخيرة مهددا بالهبوط.. وجاء اليوم الأخير للموسم.. السبت الماضى.. ليلعب «هرتا برلين» أمام هوفنهايم.. وكان أيضا كولن يلعب أمام بايرن ميونيخ.. ولحسن حظ برلين.. فاز بايرن على كولن ونجح «هرتا برلين» فى الفوز على هوفنهايم.. وبالتالى تقرر هبوط كولن مع نادى كايزرسلاوترن إلى الدرجة الثانية.. وتبقى فرصة أخيرة ل«هرتا برلين»، حيث سيلعب مع ثالث الدرجة الثانية مباراتين فاصلتين، لتحديد من منهما سيلعب فى الدورى الألمانى الممتاز ويلعب الآخر فى الدرجة الثانية.. وما أريد التوقف أمامه هنا هو نادى «هرتا برلين»، المهدد بالهبوط منذ أسابيع.. وكان سيهبط بالفعل لو خسر يوم السبت الماضى وقد يهبط للدرجة الثانية، إن خسر المباراتين الفاصلتين أمام نادى الدرجة الثانية..
ورغم ذلك لم يصرخ أحد من أهل برلين، رافضا هبوط النادى، الذى يمثل العاصمة الألمانية فى الدورى الممتاز لكرة القدم.. لم يتحدث إعلامى واحد.. أو سياسى أو نائب فى البرلمان الألمانى.. عن ضرورة استثناء نادى «هرتا برلين» من قواعد وعدالة الصعود والهبوط من الدورى الألمانى الممتاز لكرة القدم.. لم يقل أحد إنه إذا أصر الاتحاد الألمانى لكرة القدم.. الظالم والفاسد.. على هبوط «هرتا برلين».. فالأفضل أن تنفصل برلين عن ألمانيا وتؤسس دولة جديدة خاصة بها أو تنضم إلى بولندا أو إيطاليا مثلا.. وبالتأكيد لم يحاول رئيس نادى «هرتا برلين» ولم يجرؤ على عقد اتفاق سرى مع رئيس الاتحاد الألمانى، لتعديل شكل مسابقة الموسم الجديد وإلغاء الهبوط وزيادة عدد أندية الدورى الممتاز ثلاثة أندية.. وهو الأمر الذى يقودنا حتما إلى مقارنة لازمة بين برلين وأهلها ونجومها ومشاهيرها السياسيين والفنانين والإعلاميين.. وبين الإسكندرية، التى رفضت هبوط نادى الاتحاد السكندرى للدرجة الثانية، احتراما لتاريخ النادى السكندرى الكبير والعريق.. وأيضا بورسعيد التى ترفض هبوط المصرى، بزعم أنه لا يمكنها الحياة دون مشاركة المصرى فى الدورى الممتاز.. ومن المؤكد أن أهل برلين يحبون مدينتهم بنفس عشق وانتماء وارتباط أهل الإسكندرية وبورسعيد.
yayoub@gmail.com