أفرد الإمام محمد أبوزهرة، فى كتابه «خاتم النبيين»، فصلا كاملا تحت عنوان «أبوطالب وإيمانه»، طرح فيه سؤالين، الأول: هل مات أبوطالب على الشرك ولم تخالط بشاشة الإيمان قلبه؟، والثانى: هل يجوز الاستغفار له؟ يعرض أبوزهرة أولا الرأى المشهور بأن أباطالب لم يدخل فى دين الله، وإن ظل يدافع عن الرسول!. ويعترف بأن جماعة أهل السنة والكثرة الغالبة من المُحدّثين والفقهاء تقول إنه مات على الشرك وإنه من أهل النار، وإن الله يخفف عنه العذاب فيكون فى ضحضاح من النار. ويروى البخارى أن أبا جهل وعبدالله بن أمية ظلا يقولان له حين حضره الموت: «يا أبا طالب أترغب عن ملة عبدالمطلب؟، فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر ما قاله (على ملة عبد المطلب). رغم هذه الأدلة يؤكد أبوزهرة أنه لم يكن مشركا أو كافرا قط، حتى لو قال بعد إلحاح: «على ملة عبدالمطلب»، وأسباب الشيخ كالتالى: 1- أنه كان شديد الحب لمحمد(ص)، ودافع عنه بكل وسيلة. 2- موقفه المشرف فى حماية الدعوة الإسلامية والدفاع عنها، والتى ارتضى أن يعيش بسببها ممنوعا، محاصرا، مُضيّقا عليه فى الرزق وكل أسباب الحياة. 3- جميع مواقفه تدل على أنه يرى عبادة الأصنام باطلة لم يزكّها قط فيما زكّى دعوة محمد، وكل فعله- وهو صحيح معافى- يدل على اعتقاده أن دعوة محمد صحيحة راشدة. 4- هناك رواية عن العباس أنه نطق بشهادة التوحيد عند الموت، إذ جاءه شيوخ قريش فطلب منهم الرسول أن يشهدوا بالتوحيد فرفضوا وانصرفوا، بعدها قال أبو طالب للنبى «ما رأيتك سألتهم شططا»، فطمع الرسول فى إسلامه، فقال له: «يا ابن أخى لولا أن تظن قريش أننى قلتها جزعا من الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرّك بها». فلما تقارب منه الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنه، قال العباس: «لقد قال الكلمة التى أمرته بها»، فقال الرسول: «لم أسمع». وتدل هذه الرواية أنه يصدّق دعوة النبى من ناحيتين: قوله ما رأيتك سألتهم شططا، أى أنه سألهم معقولا وهو «لا إله إلا الله»، والثانى أنه نطق كلمة الإيمان حسب رواية العباس. والذى يخلص إليه أن أباطالب بما أظهره من المودة للنبى، وبما دافع عن الإسلام والمسلمين، وبما أنه أمر ابنه عليا بأن يتبع محمدا، وحين حضرته الوفاة كان يزكّى دعوة الرسول وهو الذى لم يزك دعوة الأوثان قط، فإنه لا يتردد فى إخراجه من زمرة المشركين، وإن كانت ثمة نقيصة بالنسبة إليه فهى أنه لم ينطق بموجب التصديق والإذعان. لذلك يميل إلى الاستغفار له (إن كان أبوزهرة أهلاً لذلك)، والله المُطّلع على القلوب. [email protected]