«الأهلى فاروس»: قطاع الأسمنت يستعيد توازنه بدعم من التصدير وارتفاع الطلب المحلي

كشفت دراسة حديثة لقطاع البحوث بشركة الأهلى فاروس لتداول الأوراق المالية، عن تحول هيكلى فى قطاع الأسمنت المصرى، بعد نجاحه مؤخرا فى تحويل تحدى فائض الإنتاج إلى فرصة نمو عبر التوسع التصديرى، مؤكدة أن القطاع بات مهيئًا لفترة من النمو المستدام، مدعومًا بطلب محلى متعافٍ وفرص تصديرية واعدة.
وبحسب الدراسة التى أعدها آدم خليل، محلل قطاع الأسمنت بالشركة، فقد عانى قطاع الأسمنت المصرى لسنوات من فجوة هائلة بين القدرة الإنتاجية الاسمية التى تبلغ 85 مليون طن والطلب الفعلى، وهى الفجوة التى وصلت إلى ذروتها فى عام 2020 مسجلة 36 مليون طن. هذا الفائض أدى إلى حرب أسعار ليباع المنتج بأقل من التكلفة، وتكبدت الشركات خسائر فادحة.
وأوضح خليل، خلال ندوة نظمتها الشركة عن مستقبل قطاع الأسمنت عبر الفيديو كونفرانس، أن نقطة التحول الإيجابى بدأت مع تطبيق جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية نظام الحصص الإنتاجية فى منتصف 2021، ما ساعد على تقييد المطروح فى السوق وإعادة التوازن إلى الأسعار، وفى المقابل دفع هذا النظام الشركات إلى البحث عن أسواق خارجية لاستغلال طاقاتها الفائضة وتوفير السيولة الدولارية اللازمة لاستيراد الفحم، الذى يمثل حوالى 56٪ من تكاليف الإنتاج، مضيفا: لقد أسفرت تلك الخطوات عن قفزة فى صادرات الأسمنت من 8 ملايين طن فى 2021 إلى 20 مليون طن فى عام 2024، مسجلة زيادة بنسبة 146٪. وأصبحت الصادرات تشكل الآن 29٪ من إجمالى مبيعات القطاع، مما ساهم بشكل أساسى فى تحسين أداء القطاع الكلى.
ونوه بأنه على الرغم من أن أسعار التصدير (حوالى 60 دولارًا للطن) كانت أقل من الأسعار المحلية (82 دولارًا للطن)، إلا أنها كانت ضرورية لمنافسة المنتجين الإقليميين مثل السعودية وتركيا الذين يتمتعون بأسعار طاقة أقل، واستغلال الطاقات العاطلة بالمصانع المحلية توفير السيولة الدولارية لشراء الخامات.
وأوضح «خليل» أنه مع تحسن أوضاع السوق المحلية، وانتعاش الطلب المحلى، عاد التوازن إلى الأسعار وبالتالى تم إلغاء نظام الحصص فى مايو 2025، واستمرار التحسن فى الطلب المحلى فقد تتجه الشركات إلى توجيه إنتاجها نحو السوق المحلية الأكثر ربحية، حيث تشير الأرقام الأولية للأشهر التسعة الأولى من عام 2025 بالفعل إلى هذا التحول، حيث ارتفعت المبيعات المحلية الإجمالية بنسبة 10٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى، مصحوبة بتراجع فى الصادرات بنسبة 5٪.
وعن هيكل التكاليف، قال آدم خليل إن المواد الخام المحلية (الحجر الجيرى والطفلة) لا تمثل سوى 5٪ من التكلفة، بينما تستحوذ الطاقة (الفحم المستورد) على النصيب الأكبر بنسبة تصل إلى 56٪، مما يفسر حساسية القطاع لأسعار الطاقة العالمية وتوافر العملة الصعبة، منوها بأهمية تحليل أسعار الأسمنت بالدولار الأمريكى، لأن أى تغير فى سعر صرف الجنيه ينعكس مباشرة على هيكل التكاليف، وبالتالى على أسعار البيع النهائية، مضيفا: «إنه مع بدء تعويم الجنيه فى 2022 حدث ارتفاع فى سعر الأسمنت بالجنيه وفى المقابل انخفض سعره المقوم بالدولار، لكن عاودت أسعار الأسمنت المقومة بالدولار الارتفاع منذ بداية 2024، لتستقر حاليًا عند مستويات تتراوح بين 81 و82 دولارًا للطن، بما يقارب 4800- 4000 جنيه، وهذا السعر يعكس التوازن الجديد بين العرض والطلب، ويقترب من مستويات عام 2008، الذى شهد أيضًا توازنًا فى السوق».
وفيما يتعلق بالطاقات الإنتاجية للمصانع، أشار خليل إلى وجود فارق بين القدرة الإنتاجية الإسمية لقطاع الأسمنت فى مصر، والبالغة 85 مليون طن سنوياً، والقدرة الفعلية التى تقدر بنحو 75 مليون طن. ويرجع هذا الفارق إلى توقف ما بين 9 و10 خطوط إنتاج، مما أدى إلى شطب حوالى 10 ملايين طن من القدرة الفعلية المتاحة، لكن بالتزامن مع الزيادة المتوقعة فى الطلب المحلى إلى 52 مليون طن واستقرار الصادرات عند 20 مليون طن، سيرفع من معدل استغلال الطاقة الإنتاجية من 92٪ فى 2024 إلى 96٪ فى 2025.
وأضاف أنه من المتوقع أن يظل الطلب قويًا، مدعومًا بتعافى السوق المحلية بفضل عوامل مثل قانون البناء الجديد وتحسن البيئة الاقتصادية الكلية، بالإضافة إلى الطلب التصديرى من دول الجوار مثل ليبيا وسوريا والعراق والسودان، والفرصة المحتملة للمشاركة فى إعادة إعمار غزة، وكلها عوامل دعم قوى للأسعار على المدى المتوسط.
ويتوقع خليل استقرارًا نسبيًا فى الأسعار حتى نهاية عام 2025، مع احتمالية انخفاض طفيف لا يتجاوز 5٪ إلى 10٪ كحد أقصى، فى ظل جهود زيادة المعروض نتيجة للحوافز المقدمة من وزارة الصناعة لتشجيع المصانع على زيادة الإنتاج بما يتجاوز طاقتها المرخصة وإعادة تشغيل الخطوط المتوقفة تدريجيا.
وأكد أن هذا التحسن فى الأداء التشغيلى وهوامش الربحية تعمل على تعزيز الميزانيات العمومية لشركات الأسمنت بشكل كبير والتى تحولت من صافى مديونية إلى صافى ربحية، مما يمنحها مرونة مالية للتوسع أو الدخول فى عمليات استحواذ، مثل شركة «مصر للأسمنت – قنا» والتى تحولت من صافى دين بقيمة 335 مليون جنيه فى نهاية 2024 إلى صافى نقدية بقيمة 724 مليون جنيه فى منتصف 2025، هذا التحسن المالى للشركات ينعكس على نشاط ملحوظ فى تحسين الكفاءة التشغيلية وتمويل عمليات الصيانة والتفكير فى التوسعات المستقبلية أو الدخول فى عمليات اندماج واستحواذ، وهو ما بدأت تظهر بوادره بالفعل فى السوق.