خبراء: عودة الملاحة فى قناة السويس لطبيعتها تدريجيًا قد تستغرق عامًا

قال خبراء فى قطاع النقل واللوجستيات إن عودة حركة الملاحة فى منطقة البحر الأحمر وقناة السويس إلى طبيعتها ليست بالأمر الوشيك، وإنما يتطلب ذلك فترة من استقرار الأوضاع قد تصل إلى عام كامل، لتبديد شكوك شركات الشحن العالمية واستعادة الثقة فى أهم مجرى ملاحى عالمى بعد وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتوقيع اتفاق السلام.
وأوضحوا أن عودة الحركة الملاحية إلى سابق عهدها فى قناة السويس تتطلب أكثر من مجرد وقف لإطلاق النار، فالأمر مرهون باستقرار حقيقى ومستدام، تتبعه جهود تفاوضية مكثفة من قبل إدارة قناة السويس لتقديم حوافز مغرية لشركات الشحن لإقناعها بالعودة عن مساراتها البديلة.
وقال الدكتور محمد على إبراهيم، أستاذ الاقتصاد واللوجستيات بالأكاديمية العربية للنقل البحرى، إن الحكم على مدى تأثير وقف إطلاق النار على حركة الملاحة فى قناة السويس لايزال مبكرًا، وشركات الشحن والملاحة الدولية تحتاج إلى فترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر من الاستقرار التام فى المنطقة قبل أن تعيد النظر فى تغيير مساراتها البديلة التى استثمرت فيها بشكل كبير خلال العامين الماضيين.
وأضاف أن الشكوك مازالت تحوم حول مدى صمود الاتفاق، خاصة فى ظل تعقيدات المرحلة الثانية منه والمتعلقة بملف تسليح الفصائل الفلسطينية وإدارة قطاع غزة، مضيفًا أنه حتى الآن لا نعرف موقف الحوثيين من الاتفاق الجارى، وهل سيتم تجميد نشاطهم فى البحر الأحمر، وما هى الضمانات لذلك؟
وتابع: «حتى مع استقرار الأوضاع الجيوسياسية فإن الأمر يتطلب مجهودًا كبيرًا من هيئة قناة السويس، ومفاوضات مكثفة مع شركات الملاحة الكبرى، مع تقديم حزمة من الحوافز التى تدفعها لاستعادة مسارها الطبيعى وعودة رحلات التجارة من خلال قناة السويس».
وأوضح أن أى حديث فى الوقت الحالى عن تراجع فى تكاليف الشحن أو حتى تكلفة التأمين لن يكون دقيقًا لأنه مرهون فى النهاية بنتائج المباحثات المستقبلية وتجاوب كافة الأطراف معها، وبعد ذلك قد نرى تحركًا من شركات الشحن العالمية لاستعادة مساراتها التقليدية، والتى عادة ما تكون أقل تكلفة من المسار الطويل البديل، مع الأخذ فى الاعتبار ما أشارت إليه إحدى المؤسسات البحثية الدنماركية مؤخرًا من أن 41٪ من حاويات الشحن تجوب العالم فارغة، وهو ما يعنى تحمل تكلفة نقل إضافية تنعكس بالتبعية على أسعار السلع النهائية.
وقال الدكتور عمرو السمدونى، سكرتير عام شعبة النقل واللوجستيات بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن النقطة الأساسية فى استعادة الاستقرار لمجرى قناة السويس تتعلق بموقف جماعة الحوثيين الذين يمثلون التهديد الأكبر للملاحة فى البحر الأحمر، وحتى الآن هم ليسوا طرفًا فى الاتفاق الحالى، وموقفهم وردود أفعالهم لاتزال غامضة، ما يُبقى على حالة عدم اليقين لدى الشركات العالمية.
وأضاف أنه لا يمكن توقع انخفاض فى تكلفة الشحن على المدى القريب أو حتى تكاليف التأمين، وننتظر ما ستعلنه شركات الملاحة الدولية مستقبلًا، ولكن بالتأكيد صمود اتفاق السلام سيكون له وقع مهم على حركة الملاحة العالمية وعودة سلاسل الإمداد الدولية، وتحسن إيرادات القناة.
وألقت الاضطرابات فى البحر الأحمر، بفعل هجوم الحوثيين المتكرر على السفن العابرة للبحر الأحمر، ردًا على حرب إسرائيل على غزة، بظلالها القاتمة على إيرادات قناة السويس، والتى تراجعت بشكل حاد وفقًا لبيانات البنك المركزى خلال العام المالى 2024/ 2025 لتصل إلى 3.62 مليار دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ 20 عامًا، بانخفاض قدره 45.5٪ مقارنة بالعام المالى السابق، الذى سجل 8.76 مليار دولار.
وقال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين، إن تراجع إيرادات قناة السويس ارتبط بشكل مباشر بالهجمات الحوثية التى أجبرت العديد من الخطوط الملاحية الدولية على تجنب المنطقة والبحث عن مسارات بديلة أكثر كلفة وأطول زمنًا، مما أدى إلى تقلص عدد السفن العابرة للقناة بشكل كبير.
وأضاف أن عودة حركة الملاحة قد تستغرق بين ستة أشهر إلى عام كامل بعد تحقق الاستقرار المنشود، مرجحًا ألا يظهر تحسن ملموس فى إيرادات القناة قبل منتصف العام المقبل، مع إمكانية العودة إلى الأرقام المعتادة بنهاية 2026 أو الربع الأول من 2027 على الأكثر، الأمر الذى من شأنه أن يحسن مؤشرات ميزان المدفوعات المصرى.
وأوضح أن تأثير الحرب فى غزة وتوترات البحر الأحمر يظل محدودًا مقارنة بالمتغير الأكبر المرتبط بالحروب التجارية العالمية، مشيرًا إلى أن استقرار أسعار الخامات وتحسن حركة الإمداد يرتبطان بشكل أساسى بهدوء وتيرة الحرب التجارية بين القطبين الاقتصاديين، الولايات المتحدة والصين، كما أن تحسن حركة الملاحة فى القناة ليس المنقذ الأوحد لحركة سلاسل الإمداد أو خفض الأسعار، فالأزمة أعمق وأكثر تشعبًا.