قبيلة جمال مبارك هى قبيلة تأسست منذ أقل من عقد من الزمان، وبدأت القبيلة طور التكوين حين قرر جمال مبارك بعد عودته من لندن الانخراط فى السياسة، وفكرت فى تكوين حزب سياسى جديد يحتل مكان الحزب الوطنى كما احتل الحزب الوطنى مكان حزب مصر برعاية الرئيس السادات، ولكن الحرس القديم، وكان فى عنفوانه، لم يوافق على هذه الفكرة خوفاً من ضياع نفوذه، وظهرت الفكرة النميسة باختراع لجنة جديدة فى الحزب سميت بلجنة السياسات وترأسها جمال مبارك. كانت النواة الأولى لقبيلة جمال مبارك تضم مجموعة صغيرة من أساتذة كلية الاقتصاد وانضم إليها بعض من رجال الأعمال المتطلعين لنفوذ سياسى، وكانت مهمة طليعة القبيلة هى تطوير الصورة الذهنية لدى الشعب المصرى عن نجل الرئيس، والمعروف أن جمال مبارك كان تلميذاً حين كان والده قائداً للطيران ثم نائباً لرئيس الجمهورية، وكان طالباً بالجامعة الأمريكية حين كان والده رئيساً للجمهورية، ثم عاش فترة لندنية طويلة عمل فيها فى بنك أمريكى ثم رجل أعمال، وقد أعطى هذا التاريخ الشخصى انطباعاً بأن جمال مبارك لم يعش ولم ير ولم يشاهد مصر الحقيقية ولم يتعامل مع مصريين عاديين وبالطبع لم يركب أتوبيساً ولم يمر فى حارة فى حى شعبى، وكانت وجهة نظر المجموعة المحيطة به أن غياب الكاريزما سببها الرئيسى هو عدم تواصله طوال حياته مع المصريين وأنه حين يتحدث إلى الغرفة التجارية الأمريكية فهو يتحدث بلغة إنجليزية ممتازة وله حضور معقول، إذن الحل هو أن يتعلم كيف يتحدث إلى المصريين، وأخذ دروساً مكثفة وتدريبات ولكنها باءت بالفشل لسبب بسيط.. لأنك لا يمكن أن تصل إلى قلوب الناس إلا إذا كنت صادقاً فى كلامك وشعر الناس بأنك منهم وهم أهلك وهذا الشعور لم ولن يحدث أبداً. كل من جمال عبدالناصر والسادات ومبارك جلس يوماً على المصطبة، وكل منهم حادث العمال وتشعبط فى الأتوبيس، ولذا- مع الاختلاف الشديد فى طريقتهم فى الخطابة- كان كل المصريين يشعرون بأن هذا الرئيس منهم مهما اختلفوا مع مضمون كلامه أو رأيهم فى قراراته السياسية. بمرور الوقت اكتشف عدد كبير من الطامعين فى السلطة والنفوذ من ناحية، والراغبين فى إحداث طفرة فى ثروتهم من رجال الأعمال من ناحية أخرى، أن الالتحاق بلجنة السياسات والالتفاف حول جمال مبارك فيهما ميزة واضحة، وفعلاً نجح عدد كبير من الملتحقين الجدد فى أن يصبحوا بين زعماء الحزب الوطنى بالرغم من أنه لم يكن لديهم أى اهتمامات سياسية أو حتى وطنية سابقاً وكان مدخلهم للسياسة هو الالتحاق بركب جمال مبارك، وهو ما يفسر حجم الانتهازية الكبير فى هذه المجموعة، وانعدام الضمير الوطنى فى معظمها، ويوضح ذلك أن التحاقهم بلجنة السياسات كان لفوائد شخصية بحتة، وهذا يفسر ابتعاد الشعب المصرى عن هذه اللجنة التى يرى بوضوح أنها لجنة لا تمثل مصر والمصريين، ولو أجرت هيئة محايدة استبياناً شعبياً حقيقياً فى عينة عشوائية كبيرة لأصيب رئيس لجنة السياسات وأعضاؤها بصدمة كبرى لانعدام شعبيتهم. وقد كان واضحاً أن منظمى اللجنة يعلمون ذلك فقرروا أن يذهب جمال مبارك مع مجموعة من اللجنة إلى القرى المصرية، ويعلم الجميع أن هذه الزيارات زادت من ضعف شعبية جمال مبارك. أما لقاؤه مع طلبة الجامعات فهو يتم مع شباب الحزب الوطنى فقط ويتم عمل كشف هيئة لهؤلاء الشباب ثم عمل تدريب مكثف لهم على حسن السلوك وبعد ذلك يتم تحفيظهم الأسئلة التى سوف يلقونها، وفى صباح الاجتماع يتأكد المشرف من أن لبسهم يليق وربما يطلب منهم الاستحمام صباح اللقاء وقص الأظافر، وقد كشف الحوار الأخير مع الطلبة بعد أن تُرك لهم قدر من الحرية حجم الغضب من فكرة التوريث من شباب الحزب الوطنى، وبالرغم من ذلك كله فإن حجم لجنة السياسات يتضخم لأن عدد الراغبين فى المال والسلطة يزداد، ومع ارتفاع عمر الرئيس مبارك واحتمال تقاعده فإن فئة المنتفعين من أعضاء اللجنة ازدادت شراسة. ونعلم جميعاً أن أى مصرى يعين فى وظيفة إدارية عليا كرئيس جامعة أو عميد كلية أو حتى وكيل كلية لابد أن ينضم إلى لجنة السياسات، ونعلم كلنا أن عدداً كبيراً من الوزراء والراغبين فى أن يصبحوا وزراء يلهثون وراء جمال مبارك يتملقونه ويلقون قصائد المديح أمامه حتى يرضى عنهم ويستمر فى غمرهم بفيض نعمته. وأخيراً عقد جمال مبارك اجتماعاً مع بعض المثقفين شبه الرسميين نظمه وزير ثقافة لجنة السياسات ليرتبط اسم اللجنة بالثقافة للمرة الأولى. هذه القبيلة التى توحشت شعرت بأنه آن الأوان لتنقض على منصب رئيس الجمهورية، ولا يهم أن الرئيس مازال رئيساً، ولا يهم أن الشعب لا يطيقهم، ولا يهم أن تتويجهم بالسلطة سوف يكون توريثاً وبالتزوير. كل هذا لا يهم ولكنهم يريدون المنصب وأن ينهشوا ما تبقى من مصر وإن فشلت هذه القبيلة فى تحقيق هدفها فسوف تذوب وتختفى فى ثوان لأنه ليس لها هدف وطنى أو رؤية وإنما فقط منفعة شخصية. قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك!