أستاذة بجامعة شنغهاي ل «المصري اليوم»: الترهيب الجمركي الأمريكي يقابله رد فعل صيني مرن

قالت الدكتورة جينج تشاو، الأستاذة بمعهد دراسات الشرق الأوسط، في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، إنه مع إعلان الترهيب الجمركي الأمريكي، كان هناك رد الفعل الصيني المرن، بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض «رسوم جمركية متبادلة» على جميع الشركاء التجاريين، منها بنسبة 34% على الصين، وأمس فرضت رسومًا جمركية إضافية بنسبة 50% على السلع الصينية، ليصل إجمالي معدل الرسوم الجمركية المتبادلة إلى 84%. ومع إضافة رسوم جمركية أخرى، ارتفع إجمالي معدل الرسوم الجمركية على السلع الصينية من 12% في عام 2018 إلى 104% اليوم.
وأشارت الخبيرة الصينية في تصريحات ل «المصري اليوم»، إلى أن الولايات المتحدة اعتمدت نموذج «التعريفة القياسية + التعريفة المتبادلة»، حيث فرضت تعريفة قياسية بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة، وتعريفة إضافية بنسبة 10% على المنتجات الصينية بحجة الفنتانيل، وتعريفة متبادلة بنسبة 84%. وبذلك، يصل إجمالي معدل التعريفة الجمركية على السلع الصينية إلى 104%، مع احتمال ارتفاع المعدلات الفعلية حسب الصناعة.
وحول مدى فعالية سياسة التعريفة الجمركية الأمريكية، قالت إن السياسة الحمائية المتمثلة في فرض التعريفات الجمركية فشلت في تحسين العجز التجاري الأمريكي، ففي عام 2024، بلغ العجز التجاري الأمريكي 1.21 تريليون دولار، بزيادة قدرها 50% مقارنة بعام 2017، قبل بدء الحرب التجارية، وقد تحملت الأسر والشركات الأمريكية التكلفة الفعلية للحرب التجارية. وبحسب تحليل أجرته جامعة ييل، فإن هذه الجولة من سياسات التعريفات الجمركية أدت إلى زيادة التضخم في الولايات المتحدة بنسبة 2.3%، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 2.8%، وزيادة أسعار السيارات بنسبة 8.4%، مما أدى إلى خسارة سنوية قدرها 3800 دولار للأسرة الأمريكية المتوسطة.
ولفتت جينج إلى أنه في مواجهة التسلط الأمريكي الأحادي الجانب بفرض التعريفات الجمركية، ردّت الصين بصمود وعزيمة، واتخذت الحكومة الصينية عدة إجراءات مضادة، منها فرض تعريفات جمركية بنسبة 84% على جميع الواردات الأمريكية، ورفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة بموجب آلية تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، وإدراج كيانات أمريكية متعددة على قوائم مراقبة الصادرات، وفرض قيود على تصدير المواد الأرضية النادرة. ولا تقتصر هذه الإجراءات على الدفاع عن المصالح المشروعة للصين فحسب، بل تدعم أيضًا نزاهة وحرية نظام التجارة العالمي.
وأكدت أن الاقتصاد الصيني تميز بمرونته القوية، وهو واثق وقادر على الصمود في وجه جولة الاحتواء الأمريكية الجديدة، منها: أنه لن يُؤثر انخفاض الصادرات إلى الولايات المتحدة سلبًا على اقتصاد الصين. من منظور التجارة الصينية الأمريكية، شهد اعتماد الصين على السوق الأمريكية تراجعًا في السنوات الأخيرة، حيث انخفضت نسبة الصادرات إلى الولايات المتحدة من 19.2% عام 2018 إلى 14.7% عام 2024. في الوقت نفسه، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على بعض المنتجات الصينية، حيث يتجاوز معدل الاعتماد على بعض الفئات 50%. من الصعب إيجاد مصادر بديلة على المدى القصير، مما يجعل تعطيل التجارة الصينية الأمريكية بالكامل أمرًا مستحيلًا، ومن منظور الاقتصاد الصيني ككل، وباعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 18.94 تريليون دولار أمريكي في عام 2024، بمعدل نمو اقتصادي قدره 5%، مما يجعلها محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي العالمي، لذلك إن حجمها الاقتصادي الهائل ونظامها الصناعي الشامل يُمكّنانها من الصمود في وجه تقلبات السوق الخارجية وضمان استقرار العمليات الاقتصادية.
وأوضحت الخبيرة أن القمع الأمريكي دفع الصين على تسريع الابتكار التكنولوجي والتحديث الصناعي، تعطي «الخطة الخمسية الرابعة عشرة» للصين الأولوية للاعتماد على الذات وتعزيز الذات في العلوم والتكنولوجيا كاستراتيجية وطنية، مع نمو مستمر في الاستثمار في البحث والتطوير. في عام 2024، شكلت نفقات البحث والتطوير في الصين 2.68٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، متجاوزة متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 2.11٪ ومقتربة من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 2.73٪. ركزت الصين الموارد على الاختراقات في مجالات رئيسية مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والفضاء الجوي. ارتفع معدل الإنتاج المحلي لمعدات أشباه الموصلات من أقل من 10٪ في عام 2018 إلى حوالي 20٪ في عام 2023، وتجاوزت حصة الصين من براءات اختراع الجيل الخامس العالمية 38٪، وارتفعت صادرات المركبات التي تعمل بالطاقة الجديدة إلى القمة عالميًا، وتم وضع طائرة الركاب الكبيرة C919 في الاستخدام التجاري. تنتقل الصين من «الابتكار اللحاقي» إلى «الابتكار الأصلي»، مما يدفع إلى تحديثات صناعية شاملة من خلال الابتكار التكنولوجي.
وأكدت أن استراتيجية «التداول المزدوج» الصينية، أظهرت نتائج مهمة، حيث تعمل الصين على تعزيز التعزيز المتبادل بين التداولات المحلية والدولية للتخفيف من تأثير الصدمات الخارجية على الاقتصاد. من ناحية، تم تعزيز الدور المهيمن للتداول المحلي، مع زيادة مرونة الطلب المحلي والسلاسل الصناعية. قدمت الحكومة سلسلة من السياسات لتحفيز السوق المحلية، وزيادة دخل الأسر، وتخفيف الأعباء، باستخدام الطلب المحلي لتعويض مخاطر التصدير، وفي عام 2024، ساهم الطلب المحلي بأكثر من 80٪ في النمو الاقتصادي، ليصبح المحرك الرئيسي للنمو. من بين الشركات ذات الأداء التصديري، يشارك ما يقرب من 85٪ أيضًا في المبيعات المحلية، حيث تمثل المبيعات المحلية ما يقرب من 75٪ من إجمالي المبيعات.
وأردفت قائلة، إنه من ناحية أخرى، تم تحسين التداول الدولي من حيث الجودة والكفاءة، مع الانفتاح رفيع المستوى لمواجهة الحصار الخارجي.، وعمقت الصين التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الواقعة على طول «الحزام والطريق». وفي عام 2024، سيصل إجمالي الواردات والصادرات مع دول مبادرة الحزام والطريق إلى 3 تريليون دولار، بزيادة سنوية قدرها 6.4%، مع تجاوز نسبة هذه الدول في إجمالي واردات وصادرات الصين 50% لأول مرة.
وتابعت:« تعمل الصين على تنويع أسواق صادراتها وتعاونها الدولي، كما تعمل على تسريع تحولها بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الأسواق التقليدية، والتحول بدلًا من ذلك إلى الاقتصادات الناشئة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وفي عام 2024، نمت الصادرات إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية بنسبة 8.4٪ و11.9٪ على أساس سنوي، على التوالي، وهو أعلى بكثير من معدل نمو الصادرات إلى الولايات المتحدة البالغ 2.5٪».
وفي الوقت نفسه، تعمل الصين على تعميق الانفتاح المؤسسي من خلال شبكات اتفاقيات التجارة الحرة (FTA) والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP). وبحلول عام 2025، كانت الصين قد وقعت 23 اتفاقية تجارة حرة مع 30 دولة ومنطقة، مع زيادة نسبة الواردات والصادرات إلى شركاء اتفاقية التجارة الحرة إلى 34٪. وقد أدى توسع المراكز اللوجستية مثل خط السكة الحديد السريع بين الصين وأوروبا وميناء خليج بيبو إلى فتح قنوات تجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
وأكدت الأستاذة بجامعة شنغهاي أن فرض الولايات المتحدة للرسوم الجمركية يضر بالآخرين وبنفسها، ومن غير المرجح أن يحقق أهدافه المرجوة، زفي مواجهة التسلط الأمريكي للرسوم الجمركية، تظل الصين هادئة وحازمة، وتركز على إدارة شؤونها الخاصة، من خلال تعزيز الابتكار التكنولوجي، وتحسين الهياكل الصناعية، وتوسيع الأسواق الدولية، واجهت الصين الضغوط الخارجية بفعالية وحافظت على نمو اقتصادي مستقر، مما أظهر مرونة استراتيجية، فيما ترحب الصين بالحوار مع الولايات المتحدة القائم على المساواة والاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل. ومع ذلك، إذا أصرت الولايات المتحدة على شن حروب الرسوم الجمركية والتجارة، فإن الصين مستعدة للمضي قدمًا في ذلك، ونظرًا للمستقبل، ستواصل الصين الالتزام بالإصلاح والانفتاح، وتعزيز التنمية الاقتصادية عالية الجودة، وتعزيز التعاون الدولي لحماية النظام التجاري متعدد الأطراف، مما يقدم مساهمات أكبر في استقرار وتنمية الاقتصاد العالمي.