«عاملِّك حفلة بمناسبة عيد ميلادك في بيت أبوكى.. تعالى»، هذه آخر الكلمات التي قالها «عبدالكريم» لأخته الوحيدة «أمانى»، في اليوم ذاته الذي قُتل فيه أثناء توجهه ب10 آلاف جنيه إلى منزل عمته في أبوزعبل بالقليوبية، إذ استوقفه صديقه و3 آخرون، وذبحوه للاستيلاء على المبالغ المالية. اليوم كان حلو الفرح ملأ قلب «أمانى»، قضت يومها كله مع أخيها «مدحت»، ذى ال24 عامًا، والذى حصل على إجازة من عمله ب«ورشة ألوميتال» للاحتفال بيوم مولد شقيقته مع أولادها ال3، إذ أغدق عليهم بالهدايا والأعلام، حيث لا يزالون يحتفظون بها باعتبارها آخر شىء من رائحته وذكراه. «يا حبيبى خد الفلوس دى وروح لعمتك، كنت مستلفاهم منها، لما كنت في العمرة بالأراضى المُقدسة، واجب ردهم ليها».. والد «مدحت» يقول له: «روح بسرعة»، واستجاب الابن، وقبل أن يُودع أخته: «اليوم كان حلو، ربنا يجعل أيامنا كلها فرح»، وتلقت خبره أثناء تحركها إلى منزل زوجها: «الحقى أخوكى مضروب وسايح في دمه». والد «مدحت» فوجئ بأحد أصدقاء ابنه يناديه، ويطالبه بالنزول إلى الشارع: «تعالى معايا نروح نشوف ابنك متعور»، اندهش «العجوز»: «إزاى ده لسة نازل، ولا بيعمل مشاكل مع حد ولا حاجة»، كانت والدة «مدحت» في الشارع تشترى احتياجات منزلية، سمعت أصوات صراخ، فتمتمت: «استرها يا رب»، فيما جارتها التي قابلتها بالمصادفة تقول لها: «ده ابنك اللى مضروب، ربنا يعوض عليكى يا حبيبتى». حين هرولت الأم وجدت زوجها يجهش بالبكاء والناس تلتف حوله: «هيقوم بالسلامة.. لا تقلق»، سيارة الإسعاف تأتى تحمل جثمان «مدحت» إلى مستشفى حكومى، وشهود العيان يروون أن صديقه و3 آخرين استوقفوه، وضربوه ب«مطواة» في رقبته، ولاذوا بالفرار، قبل أن يستولوا على ما في حوزته من أموال. «ابن عمرى راح.. أخويا وحيدى راح» خراطيم وأنابيب وأجهزة تنفس اصطناعى وضعها الأطباء بجسد «مدحت»، الأطباء قالوا لوالديه: «احتمال يعيش أخرس، الأحبال الصوتية اتقطعت»، وهما يرددان في صبر: «ده وحيدنا، مفيش غيره هو وأخته، يقوم بس منها، حتى لو مشلول، بس نشوفه قدام مننا». 48 ساعة جلستها «أمانى»، شقيقة المجنى عليه، أمام غرفة العناية المركزة، حيث يرقد أخوها بلا حراك، وبحوزتها هدية عيد ميلادها، وتقول: «يا حبيبى قوم ملحقناش نفرح يا أخويا»، لتتلقى الصدمة من الطبيب: «شدّى حيلك» لترد عليه: «أشدّ حيلى مين؟!»، يتركها، ويغادر لتجد جثمان أخيها يغادر الغرفة إلى مشرحة المستشفى، حيث يتخذ الطبيب الشرعى الإجراءات اللازمة بشأن تحديد سبب الوفاة جنائيًّا. «ابن عمرى راح.. أخويا وحيدى راح».. أم وشقيقة «مدحت» كلتاهما ترددان الكلمات بلا توقف مع مطالبتهما: «عايزين حقه بالقانون»، ويحاول مَن بجوارهما مواساتهما دون فائدة: «حالنا صعب على القريب والغريب»، بحسب «أمانى»، فإن المتهم صديق أخيها في اعترافاته زعم وجود خلاف مالى بينهم، «وأخويا عمره ولا كان مديون لبنى آدم بجنيه واحد!». دفنّاه بدل ما هو اللى يدفنّا الأب أصبح يستند على عكاز في مشيته، ويقول: «مقتل ابنى كسر ضهرى»، وحزينًا يروى أحلام الابن الذي حدثه عنها قبل رحيله: «عايز أخطب يا بويا»، وحينها لم تسع «العجوز» الدنيا من الفرحة «هشيل أحفادى منك يا حبيبى». جنازة «مدحت» شارك فيها المئات، وكانت تشبه زفاف عريس، إذ تروى أمه: «الموتوسيكلات والعربيات كانت طايرة من على الأرض»، وببكاء تقول: «دفنّاه بدل ما هو اللى يدفنّا، لبسناه الكفن بدل بدلة العريس». كاميرات المراقبة بمحيط الواقعة التقطت صورًا للواقعة، واستعانت بها أجهزة الأمن في تحديد هويات المتهمين، وألقت القبض عليهم، وأمرت النيابة العامة بحبسهم احتياطيًّا على ذمة التحقيقات.