أعرفُ الألمَ! أعرفُ الوجعَ! أعرفُ الحزنَ! أفهم معنى الفقد، وأفهم مشاعرَ أن تفقد ابنةٌ أباها بعد فجيعةِ فقدِ الأمِّ أيضًا! أعرفُ اليُتْمَ وقد عشتُه فى حياتى طفلةً! لهذه الأسباب وأخرى، قلبى مع الأستاذة «حنان»، الابنة العزيزة لكاتبنا الصحفى الكبير والإعلامى الأستاذ «مفيد فوزى»، رحمه الله. وإذ أتقدم إليها ببالغ عبارات الحزن والأسى لرحيل أبيها الغالى، فإننى أيضًا أُعزّى نفسى وأُعزّى أجيالًا كثيرة من الكُتّاب الصحفيين والإعلاميين من تلامذة الأستاذ «مفيد»، لقد كان مدرسةً قائمةً بذاتها فى الكتابة وفن الحوار والصحافة الاستقصائية والمقال الصحفى والتحقيق التليفزيونى، كان كاتبًا متميزًا ذا لغة خاصة لا يشبهه أحدٌ، وكان محاورًا فذًا، خلق لنفسه أسلوبًا خاصًا متميزًا لا ينافس فيه إلا نفسَه!. تميز بالجرأة فى الطرح، والجسارة فى السؤال، والدقة فى التحقيق، وبالحديث المتميّز، واختياره الكلمات الأنيقة والراقية، والخوض فى موضوعات جديدة وجريئة، كان كاتبًا استثنائيًا محترفًا، يعرف قيمة الكلمة ودورها، فقدنا واحدًا من آباءِ مهنةِ الصحافة النبيلة فى مِصر والوطن العربى. لا تكفينى الكلماتُ فى مقالٍ محدّد، لأتحدث عن الأستاذ «مفيد فوزى»، وله فى «مِصر» تلامذة وزملاء وأصدقاء كثيرون، ربّما أقدر منّى على الحديث عنه. لكنّه كان جزءًا من ذكرياتى الجميلة، حين كنتُ أقيم فى وطنى الثانى «مِصر» الحبيبة، كان ضيفنا العزيز فى احتفالات سفارتنا بالقاهرة، حين كنتُ أعمل بها، كان يشرفنى بوصفه لى «صديقة العقل»، كما شرفنى أيضًا باستضافتى فى أحد برامجه، كما كتبَ عنّى احتفاءً، فى صفحته بمجلة «صباح الخير» العريقة، بقلم اسمه المستتر «نادية عابد»، وقدمنى فى أمسيتى الشِّعرية، ب«ساقية الصاوى»، وكانت حواراتنا حول الأدب والثقافة ممتدة، كان مُشجعًا للمواهب الحقيقية، ومحبًّا للكلمة الصادقة المعبّرة؛ لا يخشى قول الحق والدفاع عنه، كان صديقَ الحقيقة!. ذكرياتٌ كثيرة إنسانية وثقافية ومعرفية بيننا، لا يتسع لها مقالٌ! وتظل أياديه بيضاءَ على الكثيرين!. أعرف، عزيزتى «حنان»، مدى العلاقة المثالية التى كانت بينكما، لكنَّ عزاءَكِ أنَّ لكِ إخوةً كثيرين، كان لكِ ولنا الأبَ النموذجى، كلّنا إخوتكِ ومعكِ وبجانبكِ، لقد كان أبًا روحيًا لنا جميعا. أتقدم إليكِ بخالص التعازى وأصدق المواساة، ولكلِّ عائلته وتلامذته وزملائه وأصدقائه ومحبّيه، وإلى كلِّ أسرة الصحافة والإعلام فى مِصر والوطن العربى. «طوبى لمَنْ اخترتَه وقبلتَه يا رب ليسكنَ فى دياركَ إلى الأبد». لقد فقدنا قيمةً إعلاميةً، ثقافيةً وإنسانيةً كبيرة، وسنفتقده كثيرًا فى حياتنا. كتب عنه المخرج الأستاذ «ميلاد أبى رعد»: «رحلتَ وتوقفتْ المدينة عن الحديثِ حزنًا على فراقِكَ». وداعًا الأستاذ «مفيد فوزى».
