الطريق إلى الجحيم

في كتابه المهم «سبع خطوات إلى الجحيم» يحلل مؤلفه «ألان شويه»، رئيس الاستخبارات الفرنسية السابق والباحث المخضرم في المركز الأوروبى للاستخبارات والاستراتيجيات الأمنية، ظاهرة تنامى الأصولية السلفية في أوروبا والعالم وتشعبها الخفى داخل المؤسسات الوطنية وتأثيرها على مراكز القرار ودورها الأساسى في العمليات الإرهابية التي اجتاحت فرنسا وأوروبا كلها، إذ يسلط الضوء على قضية بالغة الأهمية تعانى منها المجتمعات الغربية بصورة خاصة، ألا وهى الاختلاف الشديد في رؤية وفهم الظاهرة الأصولية بين كل من: رجل السياسة ورجل الأمن.
وهذا الاختلاف ينعكس بالقطع على قراءة كل منهما لمسار الأحداث وما ستؤول إليه وما ينبغى اتخاذه من قرارات سياسية وأمنية لتأمين البلاد من أي تهديد محتمل. في هذه النقطة يعبر «شويه» عن خيبة أمله الشديدة في رجال السياسة الذين رغم تحذيرهم من خطورة الأصولية السلفية في أوروبا وما ستفضى إليه من خراب وإرهاب باسم الدين لم يولوا تحذيرات الأمن اكتراثا حتى باغتتهم موجات الإرهاب الدامية وشاهدوا بأم أعينهم رؤوس الضحايا وقد جزتها يد الإرهاب وأجسادهم الملطخة بالدماء متناثرة على الطرقات.
كان من الممكن لرجال السياسة تجنيب فرنسا وأوروبا كلها ويلات الإرهاب الأصولى لو أنهم أجادوا قراءة الظاهرة السلفية وخلعوا عن أنفسهم الفهم الدوجمائى للديمقراطية وإمكانية عقد قرانها على الأصولية. يوجه «شويه» سهام نقده إلى رجال السياسة في فرنسا لأنهم كلما وقع حادث إرهابى هاجوا وماجوا في البرامج التليفزيونية لا هم لهم إلا الحديث عن ثغرات أمنية تسببت في وقوع الاعتداءات الإرهابية. وما تكاد تمضى فترة قصيرة من الزمن حتى تسمعهم يقولون: «لا داعى للخلط والتهويل في شأن ما حدث!، الإرهاب موجود في كل العالم!».
إن خطأ صفوة السياسيين والإعلاميين في الغرب في رأى «شويه» هو أنهم توهموا أن خيرات التحول الديمقراطى ستعم البلاد العربية والإسلامية على يد الإخوان المسلمين إن آلت إليهم مقاليد السلطة فيها، إذ كانوا في مخيلتهم يتصورون جماعة الإخوان كأى حزب مسيحى ديمقراطى في أوروبا، لكن بخلطة من «الصلصة» الشرقية! وترسخ لديهم هذا الوهم عندما رأوا في تركيا حزبا إسلاميا يشق طريقه في الانتخابات ليعتلى السلطة بالأسلوب الديمقراطى.
وفى تحليله للأسباب التي ساعدت الإخوان المسلمين على تحقيق حلمهم بالسلطة يرى «شويه» أنه بخلاف مهارتهم في التغرير بالناس وفى تقديم أنفسهم بوصفهم طريق النجاة من براثن الطغاة هناك ثمة سبب آخر ساعد على ذلك، ويكمن في الخطأ الذي وقع فيه المفكرون الأمريكيون عندما سلموا بصحة ما ذهب إليه المحلل السياسى الأمريكى جراهام فولر، نائب المجلس الوطنى الأمريكى للاستخبارات السابق، في تقريره السطحى حول «التيار الإسلامى والديمقراطية في الشرق الأوسط»، حيث رأى فيه حتمية وصول جبهة التحرير الإسلامية في الجزائر إلى السلطة، وأن أي تطور ممكن نحو الديمقراطية في البلاد العربية والإسلامية سيكون على غرار التجربة الجزائرية.
وتأسيسا على هذه الرؤية تشكلت القاعدة الأيديولوجية التي بنيت عليها الاستراتيجيتان الأمريكية والأوروبية خلال العقدين الأولين للقرن 21 وتبلورتا في شكل تأييد لثورات الربيع العربى، بل وفى شكل تدخل عسكرى وفقا ل«سياسة المدافع» التي كانت شائعة في القرن 19. وقد أدى هذا الوضع إلى تشكل منظمات سلفية أصولية هاربة من حكوماتها انتشرت في أنحاء العالم لتحقق حلم الخلافة الإسلامية.
ويرى «شويه» أن هذه الكيانات السلفية الخطيرة قد نشأت بفضل أموال البترودولار التي جاءتها من الخليج، وتمكنت بفضلها من التوسع والتشعب لتفتح على أوروبا بعد ذلك أبواب الجحيم.
وينتقد المؤلف بشدة موقف رجال السياسة أمثال «آلان جوبيه»، وزير الخارجية الفرنسى السابق، لأنهم لو كانوا قد أنصتوا إلى رجال الأمن والاستخبارات حول حقيقة ما يجرى في الواقع ما سمحوا قط لهؤلاء السلفيين بالتمدد والتوغل في المجتمع الفرنسى والتأثير على مراكز القرار فيه لترسيخ قواعدهم التي انطلقوا منها لشن موجاتهم الإرهابية باسم الجهاد ضد الكفار وتأسيس الخلافة الإسلامية.