يقاس رقى البلاد وتحضرها بالهدوء وقلة الإزعاج والضوضاء حتى باتت الدول المتحضرة تمنع مكبر الصوت (الميكروفون) نهائيا ما عدا ميكروفون اليد الصغير الذى يستخدم فى حالات التظاهر أو مع الشرطة فى حالات محددة، وفى مصر، ومع سعى الدولة للتخطيط والعمران كى يتقدم ويرتقى الوطن، تجد الميكروفونات (مكبر الصوت) مع كل مواطن، والضوضاء بسببه فى كل مكان. لدينا حوالى 180 ألف مسجد ويعتلى كل مسجد حوالى 5 ميكروفونات من الحجم الكبير من أجل العبادة، وهو التصور الخاطئ، والمشهد يصبح كأنهم فى مسابقة التداخل والإزعاج الكبير والإيمان الزائف الذى لا يعرف عقلا ولا تدبيرا، لأن من يريد أن يصلى بعد اختراع الساعات والمنبهات والتليفونات والراديو والتليفزيون لن يحتاج تنبيه الميكروفون. هناك أيضا بائعو الخضار والفاكهة وأدوات التنظيف والتكاتك وغيرها، كل منهم يدور بالميكروفونات ينادى ويصرخ كما يشاء، وليس لك أن تعترض، فقد تواجه مشاكل كبيرة تصل للسباب والاشتباك مع البائع الذى لم يجد من يردعه من الدولة، ولأن الإزعاج أصبح ثقافة مجتمع فتجد الناس تفرح بالميكروفونات وتحزن بالميكروفونات فى الأفراح والعزاءات، فأصبحت مصر من أكبر البلاد إزعاجا ومهرجانات، وقد زارنى أصدقائى من غزة وتألموا من هذا الإزعاج اليومى، فلديهم الإزعاج محدد بأيام الحرب والخناقات، ومن قبلهم وأنا فى أستراليا قرر صديقى جان أن يزور مصر ليتحقق حلمه بزيارة الأهرامات والأقصر، وكل آثار مصر الفرعونية التى درسها بمدارس سيدنى، فكان الحلم عنده أن يزور ويشاهد هذه الأماكن ويشاهد المومياوات، ويرى نقوش الحجر التى جعلت مصر أم الدنيا لأنها (فجر التاريخ)، وهذا هو اسم الكتاب الذى درسه جان عن مصر، حينما كان بالصف الأول الإعدادى فى أستراليا، فعلم أن مصر هى أم الدنيا لأنها أول وأقدم تاريخ مسجل بالدنيا، فقرر جان أن يظل بمصر شهر إجازته ليتمكن من التمتع برؤية أكبر قدر من هذه العظمة، فطلبت من أخى أن يستقبله ويؤجر له شقة بمنطقة متوسطة أرخص من الفندق، وبعد وصول جان بأسبوع وجدته عائدا فسألته لماذا عدت قبل أن تكمل الشهر كما رغبت فقال لى لم أستطع النوم، ففى أول يوم صحوت فجرا على صراخ زلزال ووقع الزلزال تانى يوم أيضا، فسألت أخاك عما يحدث فقال لى هذا نداء صلاة الفجر، فقال جان لأخى لماذا تفعلون ذلك، لذا قررت العودة فلم أعرف طعم الهدوء والنوم، واستدرك موجها كلامه لى: كيف يعيش المصريون هكذا، أعانهم الله. أتمنى من الحكومة وأعضاء مجلس النواب وكل من له يد فى الأمر وضع القوانين والقرارات التى تمنع استيراد أو تصنيع الميكروفونات (مكبر الصوت) والاكتفاء بالميكروفون الصغير المحمول باليد، وأن يوضع هذا الصغير واحدا فقط على المساجد كما يحدث فى الكثير من البلاد الإسلامية، ومنها تركيا، أيضا أتمنى أن يتم تجريم ميكروفونات البائعين ما عدا اليدوى الصغير، وأن تقنن حالات المآتم والأفراح بأن تتم داخل صالات مغلقة مثل كل دول العالم المتحضر. اللهم بلغت اللهم فاشهد يا مالك الكون والسماوات.
