دخل إلى حياتنا العملية والمهنية والسياسية ضيف جديد منذ ثلاثة أيام، هو تقرير تمويل التنمية المستدامة فى مصر، وهو أول تقرير وطنى فى هذا الشأن عالميا، حيث صدرت من قبل عن الأممالمتحدة تقارير دولية وإقليميه فى ذات الشأن. صاحب فكرة التقرير والمشرف على إعداده هو الدكتور محمود محيى الدين، أستاذ الاقتصاد، ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية، وممثل مصر والمجموعة العربية بصندوق النقد الدولى، بدأ الإعداد منذ يونيو 2020 بالتعاون مع جامعة الدول العربية والتنسيق مع وزارة التخطيط. وتعد مشاركة الجامعة فى تقرير كهذا وفى إطلاقه عملا جديدا من نوعه تحت قبتها، أملًا فى أن يتم إصدار تقارير مماثلة فى الدول العربية وإصدار تقرير عربى شامل فى المجال، كما قال أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة. التمويل.. مصادره وآلياته وكيف يتم ومتى وأين ولأى غرض.. هَمّ بالليل وبالنهار لكل فرد ومنشأة صغيرة أو كبيرة، ومؤسسة ودولة، لكن يقابل ذلك أيضا أن الدين (والاستدانة أحد مصادر التمويل الأساسية) هو الآخر هم بالليل وبالنهار.. وهنا المعضلة. يستند تقرير تمويل التنمية المستدامة، كما يقول واضعوه، إلى الإطار الدولى لتمويل التنمية، ويتوافق فى منهجه معه، كما يتوافق مع خطط الإصلاح الاقتصادى المصرى ورؤية 2030 وجهود مصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المقررة عالميا منذ 2015. اشترك فى إعداد التقرير 24 باحثا من تخصصات مختلفة، وساهم فى إبداء الرأى فى نسخته الأولية 8 جهات حكومية معنية و14 منظمة عالمية. يقع التقرير فى 13 فصلا (42 صفحة)، عناوينها هى: (حالة أهداف التنمية المستدامة بمصر، البيانات ونظمها، إطار التمويل الوطنى، أولويات الموازنة العامة، الحماية الاجتماعية، دور قطاع الأعمال، دور القطاع المالى، إدارة الدين بمصر، التجارة كمحرك، العلوم والتكنولوجيا والابتكار والرقمنة، توطين التنمية المستدامة، التعاون الإنمائى الدولى، وأخيرا التوجهات المستقبلية). ما الذى يتطلبه تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها القضاء على الفقر المدقع والحد من عدم المساواة؟، يسأل التقرير ويجيب: يتطلب بيانات وكفاءة فى التنفيذ، وتمويلا ملائما. ويعد من أهم ما عرضه التقرير بيانات خسائر سوء حوكمة مشاريع البنية الأساسية فى العالم، حيث تصل نسبة عدم الكفاءة فى الدول النامية منخفضة الدخل 53%، وفى الأسواق الناشئة 34%، وفى الدول المتقدمة 15%. ويذكرنا ذلك بما كتبه أندرميت جيل، نائب رئيس البنك الدولى، نهاية يناير الماضى، عن هدر تريليون دولار سنويا فى الدول النامية نتيجة مخالفات عقود المشتريات العامة. ورغم أهمية الرأيين، لكن يجب الحذر من استخدام ذلك من الدول الكبرى لتبرير عدم قيامها بجهود حقيقية لتخفيف عبء الديون العالمية عن الدول النامية. يقدر التقرير حجم الفجوة التمويلية بمصر بقيمة 924 مليار دولار بين 2020 و2030، لو تم التمويل دون تآزر مع أهداف التنمية المستدامة، و762 مليار دولار مع وجود التآزر. ويعرض تصورا للتمويل الملائم، ناصحًا بوجود التكامل بين مصادر التمويل. ويحلل التدفقات المالية الداخلة والخارجة والمؤشرات الأساسية للموازنة العامة، ثم يؤكد أهمية الجمع بين تمويل ملائم لتحقيق أهداف التنمية والحفاظ فى نفس الوقت على انضباط المالية العامة.. ثم يناقش تمويل قطاع الأعمال والمال، ثم العوامل المساعدة فى التمويل، وعلى رأسها التجارة، مع عرض مؤشرات أساسية عن وضع الصادرات والواردات. وبعد التجارة، يأتى العلم والتكنولوجيا والابتكار، وترتيب مصر فى المؤشرات العالمية ذات الصلة. وينتهى بتوضيح أهمية استضافة مصر لقمة المناخ 27 وريادية مشروع حياة كريمة عالميا،والذى يشمل 58 مليون مواطن مصرى، ثم توصيات مختارة. عمل حى ومكثف ولامع، وقد يكون مفيدا فى أى تجربة قادمة مصرية او عربية أن يدرس بعناية أسواق المال الدولية المقرضة، وخبرات التعامل معها للحصول على أفضل الشروط، حيث التلاعب بالمقترضين فى هذا المجال وبأشكال معقدة ومستمرة شائع ومكلف، وأن يبين أفضل السبل لتطوير ورفع كفاءة وحدات إدارة الدين فى وزارات المالية، وتوضيح أدوار البنوك المركزية فى ذلك، وأن يتم أيضا اقتراح أدوات لمراجعة ملاءمة أى تمويل تنموى عمليا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بأقل كلفة، حتى لا يكون الكلام فى وادٍ والواقع فى وادٍ آخر. ومن المعروف عنا أنه ما أكثر التقارير التى تصدر عربيا وما أقل الالتزام بما فيها!.
