بعد ظهور حالات مصابة به من الشباب: «التيفود».. حمى «التلوث» المهددة للحياة

باغتت حمى التيفوئيد، أو ما يطلق عليه «تيفويد»، عددًا من الأطفال والشباب فى مصر، خلال الأسابيع الماضية، وبالرغم من أنها كانت حالات فردية، فإن النشر عنها أثار التساؤلات والتخوفات أيضًا، من انتشار المرض مجددا، بالرغم من وجود تطعيمات متوفرة منذ سنوات لمكافحته، خاصة أن عددًا من الأطباء أكدوا أنها تؤدى إلى مضاعفات خطيرة، حال إهمال علاجها، أو حتى التأخر فى تشخيصها.
الدكتور محمد حسنى، إخصائى الباطنة والجهاز الهضمى، أكد أن الحمى التيفودية عبارة عن عدوى بكتيرية، تعرف باسم «السالمونيلا التيفية»، وتكون خطرة حال لم يتم التعامل معها بسرعة وبفاعلية، وتعيش هذه البكتيريا فى الأمعاء ومجرى الدم، موضحًا أنها تنتشر بين الأفراد بعدة طرق منها الاتصال المباشر مع براز الشخص المصاب، أو عن طريق الطعام والماء الملوثين، أو المخالطة اللصيقة لشخص مصاب بالمرض، أو استخدام حمام غير نظيف، أو مطاعم غير نظيفة، مع عدم غسل اليدين جيدًا.
وقال حسنى ل«صحتك بالدنيا»: تتمثل أعراض المرض فى ارتفاع درجة حرارة الجسم، والصداع المتكرر، وألم واضطرابات فى المعدة (إمساك- إسهال)، وضعف وإرهاق عام بالجسم، نتيجة فقدان الشهية، وبالتالى فقدان الوزن، وفى ظرف أسابيع قد تنتشر البكتيريا فى أنحاء الجسم كله، لو لم تعالج بشكل صحيح وسريع، وتسبب مشاكل فى الكبد والطحال، والقلب والرئة والمفاصل، مؤكدا أن علاجها يعد سهلًا عن طريق المضادات الحيوية، ويشعر معظم المصابين بالتحسن بعد أيام قليلة من بدء العلاج، ولكن قد يظل بعض المتعافين حاملين للبكتيريا حتى بعد علاجهم ويعرفون باسم «حاملى التيفويد المزمنين»، على الرغم من عدم ظهور أى مؤشرات أو أعراض للمرض عليهم، غير أن البكتيريا مازالت موجودة فى البراز، وبالتالى يصبحون مصدرًا للعدوى.
وأضاف: «إذا تكررت العدوى لنفس الشخص، فليس العيب فى التطعيم الذى تلقاه، ولكن بعض البكتيريا تكتسب مقاومة للمضادات الحيوية، وهنا يجب إجراء فحوصات دقيقة مثل اختبار المناعة، وتحليل السامونيلا، ومزرعة دم وبراز».
وأوضح «إخصائى الباطنة» أن عودة ظهور حمى التيفود ليست مستبعدة، لكنها دائما فى تفكيرنا كأطباء عند التشخيص، خاصة لو كانت شكوى المريض من حرارة وإسهال لأكثر من 10 أيام، مشددا على أن هذا ليس قصورا فى لقاحات المرض، بل هى فعالة لأنها ضد الانتشار الواسع، وحتى لو ظهرت فهى حالات فردية، وتكون مشكلة مرضية بالشخص نفسه، وهنا يوصى بأخذ اللقاح إذا كان الشخص يعيش فى مناطق ترتفع فيها مخاطر الإصابة بحمى التيفود أو مسافرًا إليها.
ويرى الدكتور محمد إبراهيم بسيونى، أستاذ المناعة والميكروبيولوجيا الطبية المتفرغ بجامعة المنيا، أن حمى التيفود تمثل تهديدا خطيرا فى جميع أنحاء العالم، فهى تؤثر على 27 مليون شخص أو أكثر تقريبًا كل عام، ويستوطن فى الهند وجنوب شرق آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، ويعد الأطفال أكثر عرضة للإصابة به ولكن بأعراض أقل وأخف حدة.
وقال بسيونى ل«صحتك بالدنيا» إن من أخطر مضاعفات حمى التيفويد النزيف المعوى أو الثقوب فى الأمعاء، ويحدث عادة فى الأسبوع الثالث من ظهور المرض، حيث يحدث ثقب فى الأمعاء الدقيقة أو الغليظة «القولون»، وتتسرب المحتويات المتدفقة من الأمعاء إلى المَعدة، فتسبب ألمًا حادًا، مع الشعور بغثيان، أو قىء، وانتقال العدوى إلى مجرى الدم، موضحًا أن هذه المضاعفات تهدد الحياة، ولهذا تتطلب رعاية طبية فورية.
وأشار «بسيونى» إلى أنه بالرغم من أن نظافة الماء والطعام والحرص على النظافة وغسل اليدين باستمرار، قد تكون طرقًا مثلى لمكافحة المرض، فإن اللقاحات أفضل طريقة للسيطرة على حمى التيفود، حتى وإن كانت فعالة بشكل جزئى فقط.
ولفت إلى أن اللقاحات المتاحة حاليًّا: هى لقاح اقترانى، ويعطى عن طريق الحقن للأطفال والبالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و45 سنة، ولقاح قائم على المستضد المُنقَّى ويُعطى عن طريق الحقن للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على سنتين، ولقاح فموى حى ويعطى فى شكل كبسولة للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 6 سنوات، موضحًا أن اللقاح الاقترانى استوفى شروط منظمة الصحة العالمية فى ديسمبر 2017، ويتميز بفترة مناعة أطول مقارنة باللقاحات القديمة، ويلزم أخذه بجرعات أقل، ومن المتوقع أن يساعد هذا اللقاح على الحد من استخدام المضادات الحيوية بكثرة فى علاج التيفوئيد، وهو ما يؤدى إلى إبطاء تزايد مقاومة جرثومة السالامونيلا التيفية للمضادات الحيوية.
وأكد أستاذ المناعة أنه يوصى بإعطاء جرعة معززة كل عامين أثناء التعرض المحتمل للتيفود، نظرا لأن اللقاح لا يوفر الحماية الكاملة، مع ضرورة غسل اليدين كثيرا للمساعدة فى منع المرض، عندما تكون فى منطقة يكون فيها التلوث ممكنًا.
ونصح الدكتور محمد بسيونى المسافرين إلى المناطق شديدة الخطورة المحتمل فيها العدوى بحمى التيفود، باتباع عدة إرشادات كالتالى:
■ غسل اليدين المتكرر بالصّابون والماء الساخن، خاصة قبل تناول الطعام أو تحضيره، وبعد استخدام المرحاض، واستعمال معقم اليدين الكحولى لعدة مرات حال عدم توافر الماء.
■ تجنب شرب المياه غير المعالَجة صحيًّا، ويفضل المياه المعبأة فى زجاجات، وتناول المشروبات دون إضافة الثلج، وتجنب ابتلاع الماء عند الاستحمام، والامتناع عن تناول الفاكهة والخضروات النيئة، فربما قد تم غسلها فى مياه ملوثة، مع عدم تناول الثمار التى لا يمكن تقشيرها وخاصة الخس.
■ تناول الأطعمة الساخنة، وتجنب المخزنة أو المقدّمة فى درجة حرارة الغرفة، والابتعاد عن الوجبات الجاهزة سواء فى الشارع أو حتى فى أرقى المطاعم.