لا تقف أهمية ما صرح به شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، عند حدود ما ذكره وأكد عليه من حقوق للمرأة وتصحيح لمفاهيم ترسخت وكأنها أحكام دينية قاطعة، لأن أهمية تلك التصريحات تأتى كونها دلالة حقيقية ملموسة على تأكيد مفهوم التجديد المنطلق من قاعدة التفكير والمواءمة بين التجديد، وما يُعتبر من قِبَل قطاعات كبيرة فى المجتمع من الثوابت الدينية. أى أنه تجديد يتعامل بحرص مع ثقافة المجتمع. مما قاله الدكتور الطيب فى برنامجه الرمضانى اليومى إنه «يجوز للمرأة تولى الوظائف العليا والقضاء والإفتاء، والسفر دون محرم متى كان آمنًا، والطلاق التعسفى بغير سبب حرام وجريمة أخلاقية، ولا وجود لبيت الطاعة فى الإسلام، ولا يحق للولى منع تزويج المرأة بكفء ترضاه دون سبب مقبول، وللمرأة أن تحدد لها نصيبًا من ثروة زوجها إذا أسهمت فى تنميتها». قد تبدو هذه الكلمات فى نظر البعض أقل من المتوقع، حيث ينتظرون موقفًا ثوريًّا بالكامل من جانب المؤسسة الدينية، ومن شيخها، نحو أهداف الدولة المدنية، بينما يرى البعض الآخر أن هذا الموقف هو تعبير عن تطور حقيقى فى اتجاه التجديد الذى يراعى طبيعة المجتمع ولا يتصادم معه. بالعودة إلى ما أكدت عليه فى المقال السابق من أن الشيخ الطيب فى النهاية ليس ناشطًا مدنيًّا، بل شيخًا أزهريًّا فى الأساس، فإن تقديرى أن هذا الموقف هو امتداد للتوجه الذى يقود به الدكتور الطيب، الأزهر، وهو خطوة متقدمة فى تجديد الخطاب الدينى، وتعبير قوى عن الشعور بالحاجة إلى المراجعة والتفكير العقلى الناقد المستمر، والذى لا يتوقف عند حد معين. يبدو أن ما طرحه شيخ الأزهر بداية إثمار لنتائج ناضجة لتحقيق هدف التجديد، والمنتظر خلال الفترة المقبلة السعى لتوسيع قاعدة الاتفاق والتفاهم بين أطراف الوطن للسعى للانطلاق منها لآفاق أكثر تطورًا. المهم الآن استكشاف عناصر الالتقاء، وتوظيفها فى تشكيل إطار ثقافى عام، يتفاعل فيه أبناء الوطن بمختلف اتجاهاتهم بهدف البحث عن صيغةٍ وسطى للتغلب على الانقسام غير الصحى، والوصول إلى مشروع إصلاحى بهدف التجديد. ونحن فى «المصرى اليوم» نفتح الباب بين أبناء الوطن باختلاف توجهاتهم للحوار والنقاش فى إطارٍ ملتزم بقواعد الحوار والهدف المبتغى.
