مستر «بايدن».. التنين المُجنَّح!

الإدارة وحل المشكلات فن وموهبة، ولهما مقاربات كثيرة.. منذ عشر سنوات، عانت سيارتى من صوت عالٍ ينبعث من الموتور، احتار المتخصصون، وظل الصوت يزعجنى، إلى أن دلّنى صديق على الحل الناجع، إذ قال لى: «أغلق نوافذ السيارة بإحكام، وارفع صوت الأغانى، وستزول المشكلة»! وهكذا، ببساطة، لم أعد أنزعج من صوت الموتور. كان علىَّ فقط أن أُحسن انتقاء الأغانى التى أستمع إليها، كى لا أداوى الداء بداءٍ أكبر.
كان لصديقى هذا فلسفة لامعة فى تقييم وإدارة الأمور، فحين قرأت عن مضارّ تناول اللحوم، وكنت على وشك أن أتحول إلى النظام النباتى، كان لديه الحل الناجز، إذ نصحنى بأن أستمر فى أكل اللحوم بشكل طبيعى مع التوقف التام عن القراءة!
هذا التكنيك نفسه اتبعه «حبيب العادلى»، وزير الداخلية الشهير، حين زادت حالات تعدى بعض أفراد الشرطة على المواطنين فى أقسام الشرطة، فكان الحل أن يتم منع التصوير داخل الأقسام دونما إجراءات واضحة لمنع تكرار تلك الحوادث!
أما الرجال، فيعلم معظمهم أن أفضل استراتيجية لتنظيف المنزل هى: «اعمل نفسك نظيف»، وتتم عبر تقنيات عدة، منها تخبئة التراب تحت السجادة، ومداراة الملابس المتسخة وراء الكنبة.. يحدث هذا فى عدة حالات مثل استقبال ضيف فى غياب أى عنصر نسائى. وهذه الطريقة تجعل البيت يبدو نظيفًا، لكنها تستدعى الحشرات لاستعمار المكان، كما أنها تصيب أهل البيت بالحساسية والاختناق. وقد تعجز كل «المقشات» عن تنظيف الوضع لاحقًا، فحين يفعل الرجل ذلك عادة ما تزيد الأتربة بالشقة، خصوصًا لو كان يعيش وسط عاصفة ترابية، وكان مُصمِّمًا على فتح الشباك على مصراعيه ليوحى للجيران بأن كل شىء تمام.
الإدارة علم وفن، وهى تُعنى بتنظيم الأعمال للوصول إلى أهداف موضوعة مسبقًا ضمن رؤية عامة، وهى فى تفسيرها النهائى: مجموعة من العمليات تمثل بالتخطيط والتنظيم والرقابة والتنسيق والتوجيه لتحقيق أفضل النتائج.. وقد تشرفت بدراسة علم الإدارة فى جامعة كينجز بلندن، وبعدها فى جامعة تشيللى، وظنى وقناعتى وتقييمى الآن أن الإنجاز الحقيقى للدولة المصرية، عبر الأعوام الستة السابقة، هو عدم الالتفات كثيرًا إلى الانتقادات غير الموضوعية والمضى قدمًا فى مواجهة حقيقية ومباشرة للمشكلات مع الإعلان عنها. حدث هذا مثلًا فى مشكلة العشوائيات، التى كادت تنتهى تمامًا بفضل حركة العمران غير المسبوق التى نشهدها الآن.. كذلك فى ملف القضاء على مرض الالتهاب الكبدى الوبائى (فيروس سى) المرعب، الذى كان يفتك بأكباد ملايين المصريين، وأصبح الآن مثل دور الأنفلونزا التقليدى.
نحن فى دولة تستمد قوتها من قدرتها على تصحيح مسارها، وإلا ما حققت استقرارًا لافتًا وسط إقليم مشتعل.. علينا الآن، وبسرعة واجتهاد، أن نتحضر لما هو قادم لنا ولمنطقتنا مع إدارة الرئيس الأمريكى المنتخب «جو بايدن» (الذى لن يُكمل دورته الأولى فى تقديرى)، والذى يريد البعض تصويره على أنه «تنين مُجنَّح» سوف ينفث النار حارقًا الأخضر واليابس! وهذا غير دقيق وغير منطقى. بالطبع ستكون هناك ضغوطات، لكننا أقوياء مستقرون ومتماسكون، والأهم أن لدينا مصالح مشتركة مع أطراف متعددة، ومصائر مشتركة مع أطراف أخرى.. يمكننا بالحكمة (متمثلة فى القراءة الصحيحة للمشهد)، وبالمهنية (مُجسَّدة فى الأداء الراقى المحترف) أن نتخطى أى مراحل صعبة وأن نحول المخاطر إلى فرص تستفيد منها الدولة المصرية أكثر.