فارق بين الانتقاد والانتقاص، لا يستويان، انتقاد بمعنى نقَد الشّىء، بيَّن حسنَه ورديئه، أظهر عيوبه ومحاسنه.. انتقاص بمعنى نَقَّصَ قَدْرَهُ، حَقَّرَهُ، خَفَّضَ مِنْ شَأْنِهِ ما يخلف آثارًا سلبية. وقال مولانا جلال الدين السيوطى، فى كتابه العمدة (درء الانتقاص): «الطعن فى الناس لا يثبت باطلًا ولا يدفع حقًا». بعيدًا عن المعنى اللغوى القح، فإن ميل عامة الشعب وخلاصة مثقفيه للانتقاد فعلٌ مضافٌ إلى جهد الحكومة نحو كمال الإنجاز، والكمال يبدأ بداية بالانتقاد، الناقد عين الحكومة الحارسة، والانتقاد فعل مشروع، ومستوجب، ومستحب، نسميه تجاوزًا (عَينُ الرِّضا) التى ترى الجمال جمالًا، وتتمناه أَجمل، وما نرفضه ونستنكفه ونستهجنه (عَين السُّخطِ)، العين السوداء الثأرية، العين الصفراء الحاقدة، وكما يقول أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعى المطَّلِبى القرشى (الإمام الشافعى): «وَعَينُ الرِّضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُّخطِ تُبدى المَساوِيا». عَينُ الرِّضا تفسر سلوك عامة الشعب المصرى وخاصته (نخبته)، وهذا مستوجب ومستحب، وكما قال طيب الذكر «لينين الرملى» على لسان بطله (عرفة الشواف) فى مسرحية (وجهة نظر): «الشوف مش هو النظر، الشوف الحقيقى وجهة نظر». أيديولوجيا الإنجاز هذا ما نشهده، والشعب عارف وشايف حجم الإنجاز، مصر بتتغير، ومشروع إعمار مخلفات وعشوائيات عقود الخراب والتخريب الماضية، يمضى بخطوات حثيثة، لا ينكره إلا جاحد، والشعب المصرى لم يُجرَّب عليه جحود، ولكنه شعب يكرم كل من يكرمه ويحنو عليه، معلوم «لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل». نعم.. عَينُ السُّخطِ تُبدى المَساوِيا، إذا أَعماك الغضب والحقد، واحتواك الشر، واستبطنت ثأرا، فلن ترى إلا نقصًا، وتمضغ حسرة، حتى تستولى عليك فتدمرك.. كم من الساخطين سقطوا من حالق، السخط سقوط فى أَسفل سافلين، الرِّضا يرفعك فوق السحاب، الناقد مكانه محفوظ، والساخط مسخوط بين الناس. الحمد لله الذى عافانا من السخط وأَنعم علينا بنعمة الرِضا، ومن تمام الرِضا بعد الحمد ممارسة حق النقد، وأرجو أَلا يضيق صدر الحكومة من النقد، والوصية النبوية فى صلاة الجماعة تنسحب اجتهادًا على جماعة الوطن «قالَ الحبيب، صلى الله عليه وسلم: أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَينَ المنَاكِب، وسُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ، وَلا تَذَرُوا فرجَاتٍ للشيْطانِ، ومَنْ وصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّه، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعهُ اللَّه». سُدُّوا الخَلَلَ، هذا أَمر نبوى، والانتقاد وسيلة لتلافى العيب رغبة فى الكمال، وَلا تَذَرُوا فَرُجَاتٍ للشيْطان، إذا صمت عن الخلل تسلل الشيطان من فرجة منسية فى بناء شاهق فيهدمه، الساخطون شياطين توسوس على منصات إلكترونية وفضائية، وأسقطها الشعب من حساباته، ولكنه يظل شعبًا ناقدًا ساخرًا.. فتقبلوها بصدر رحب لأنها نابعة من عَين الرِّضا.
