فنانون من أرض الذهب.. هنا بدأت الحضارة

انعكست طبيعة النوبة الساحرة على فنانيها، وأمدتهم بطاقات شمسها ورمالها الذهبية.
ألوانهم امتزجت بصفاء النيل، ومحاجرها حافظت على بقاء الحضارة لآلاف السنين. أطلق عليها أرض الذهب لما تحويه تلك المنطقة من كنوز نادرة.
نلقى الضوء في هذه الصفحة على تلك البقعةِ من صعيد مصر، التي تميزت، منذ فجر التاريخ بثرائها الطبيعى، ونستعرض ملامح هذه المنطقة من خلال نماذج فنية تأثرت بتلك الطبيعة.
محاجر النوبة.. مصر هبة «الحجر»
لقب المصريون القدماء أرض النوبة بامتدادها العلوى والسفلى ب«أرض الذهب»، نظرا للكنوز الكبرى المتواجدة في أعماق محاجرها، فهى كانت مصدرا لمعدن الذهب، بالإضافة إلى أحجار الجرانيت بمختلف ألوانها التي كان لها الفضل في بقاء العديد من الأعمال الفنية للحضارة المصرية القديمة، لذلك سميت تلك المنطقة بالهيروغليفية «نوب» أي الذهب. وتعتبر محاجر الجرانبت من أهم محاجر العالم حتى الوقت الراهن؛ إذ تصدّره مصر لجميع الدول، فهى تضم الجرانبت الأحمر والأسود النادر.
ويشرح الباحث الأثرى فرنسيس أمين أهمية تلك المحاجر قائلاً إنه في العصور الحجرية الأولى استخدم الإنسان البدائى تلك الأحجار وتربة أسوان لصنع الأوانى واحتياجاته الحياتية، وبمرور السنوات اعتمد المصرى القديم على محاجر أسوان في نحت الأعمال الفنية من الجرانيت.
وتمثال رمسيس المتواجد حاليا في المتحف المصرى الجديد من أشهر تماثيل الجرانيت، كما استخدم المصرى القديم تلك الحجارة في بناء واجهة الأهرامات، وكذلك استخدمت لبناء معبدالوادى لخفرع ومسلات مصر القديمة، كمسلة حتشبسوت في الكرنك .المزيد
رجب.. «تشكيلى» حوّل ميادين أسوان للوحات فنية
«الطبيعة هي من تصنع الفنان.. وأسوان بفضل صفاء نيلها ورمالها الذهبية أعطت الفرصة للفنانين للإبداع.. تلك المقولة دائماً يرددها فنانو النوبة وأسوان، وتبرهن على صدقها، فشخصياتهم تشكلت بهذه المشاهد الساحرة. الفنان التشكيلى رجب سيد محمد، من أهل أسوان- من أصول نوبية- بالرغم من جولاته في العديد من دول العالم ودراسته للفن بكلية التربية الفنية بالزمالك، واحتكاكه بعمالقة الفن، فهو مُصرّ على الوجود في هذه المنطقة الساحرة في صعيد مصر، حيث يقضى أغلب وقته متنقلا بين مشاهدها الطبيعية ليبدع أعماله الفنية.
ويقول: «شمس أسوان متواجدة بداخلى منذ ميلادى عام 1959، لذلك دائماً أحرص على استخدام الألوان الصافية الطبيعية، والتى تميز فنانى النوبة عن غيرهم، ولا يمكن أن أنسى فضل الدكتور فرغلى عبدالحفيظ الذي علمنى كيفية خلط الألوان». المزيد
سمبوزيوم أسوان الدولى.. متحف مفتوح في المحاجر
يتجمع الفنانون من مصر وعدد من دول العالم على مدار هذه الأيام في سمبوزيوم أسوان الدولى للنحت- مصطلح أصله لاتينى، ويعنى تجمعًا دوليًا لمجموعة من الفنانين تحديدًا النحاتين- في دورته ال24، ويهدف إلى إحياء النحت بالرجانيت المصرى والذى تتميز به محاجر أسوان.
ويشارك في سمبوزيوم أسوان الدولى لفن النحت 4 فنانين عالميين، هم سينزا يسوزانا، من سويسرا وهيرمان شايدر (النمسا) ونيل هانسن (ألمانيا) وخافيير سكالا (إسبانيا)، بالإضافة إلى الفنانين المصريين. ويقول دكتور هانى فيصل قوميسير عام السمبوزيوم أنهم يحاولون هذا العام، نحاول إلقاء الضوء على نحت الأشخاص، لكى يتعلم المشاركون نحت البورتريه بالجرانيت، بالإضافة إلى الأعمال الانطباعية، مضيفاً أنه سيتم تنظيم معرض كبير فور الانتهاء من الأعمال الفنية . المزيد
عم سيد: الفنان الحقيقى لا يهوَى الظهور
يعانى العديد من النحاتين من صعوبة تشكيل الجرانيت؛ نظرا لصلابته الشديدة، ويلجأ البعض منهم إلى أشخاص ذات قدرات خاصة لتفريغ الجرانيت للوصول إلى الشكل الأمثل.
سيد سعد الدين أو كما يلقبه أقرانه ب«عم سيد رجل الجرانيت» تغلب على كل هذه الصعوبات بفضل مهارته وقدرته البدنية الكبيرة.
«النحت تعلمته في محاجر النوبة وقتها كان عمرى 6 سنوات، كنت أعمل في نقل الحجارة، تحملت المعاناة منذ طفولتى لكن مع الوقت بدأت أحب تجربة النحت وتشكلت أعمال فنية على حجارة الجرانيت والمينا».. بهذه العبارة استهل عم سيد الحديث عن تجربته مع فن النحت.
شارك في السومبوزيوم منذ 24 عاما، وساعد العديد من الفنانين في تشكيل الجرانيت، لم يكمل تعليمه، ومارس عمله الفنى بشكل فطرى دون دراسة أكاديمية .المزيد
Your browser doesn't support iframes