4 أيام متتالية.. مفاجأة في إجازة عيد العمال وشم النسيم 2024 للموظفين (التفاصيل)    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    وزير المالية: نستهدف تحقيق فائض أولى بقيمة 591.4 مليار جنيه للعام المالى المقبل    «الرقابة المالية» تتيح حضور الجمعيات العمومية لصناديق التأمين الخاصة إلكترونيًا    انطلاق فعاليات المؤتمر العلمي السابع لكلية الطب البيطري بجامعة كفرالشيخ    رئيس الوزراء يحدد موعد إجازة شم النسيم    وزير الاتصالات يبحث ليتوانيا تعزيز التعاون في مجالات التعهيد والذكاء الاصطناعي    بقرار من الرئيس.. بدء التوقيت الصيفي الجمعة المقبلة بتقديم الساعة 60 دقيقة    أسامة ربيع يبحث مع السفير المصرى بكوريا الجنوبية سبل تعزيز التعاون فى الصناعات البحرية    كوريا الجنوبية: بيونج يانج ستواجه نهاية نظامها إذا استخدمت الأسلحة النووية    شويجو: تشكل الأسلحة الحديثة 82% من قوات الدفاع الجوي الروسية    من هم اللاعبين الرئيسيين في المحاكمة الجنائية لدونالد ترامب؟    بطولة أبطال الكؤوس الإفريقية.. فريق الزمالك لكرة اليد يواجه الأبيار الجزائري    عضو مجلس إدارة الأهلي: نحقق عوائد تناسب حجم النادي    غياب هالاند وفودين عن تدريب سيتي قبل لقاء برايتون    وفد من الشباب والرياضة يجري جولة متابعة للهيئات الشبابية والرياضية بالمنيا    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    «نجم عربي إفريقي».. الأهلي يقترب من حسم صفقة جديدة (خاص)    السيطرة على حريق شب في منزل بالقليوبية    وزير العدل يفتتح مؤتمر الذكاء الاصطناعي وأثره على حقوق الملكية الفكرية (صور)    الإعدام شنقا للأب الذئب البشري في الشرقية    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    مدير تعليم دمياط يتابع إجراء امتحانات صفوف النقل للعام الدراسي 2024    شكسبير كلمة السر.. قصة الاحتفال باليوم العالمي للكتاب    شارك في كتابة «عالم سمسم» و«بكار».. من هو السيناريست الراحل تامر عبد الحميد؟    بيومي فؤاد يتذيل قائمة الإيرادات.. أسود ملون الأضعف في شباك تذاكر الأفلام (بالأرقام)    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    غدا .. انطلاق قافلة طبية بقرية الفقاعى بالمنيا    هل مكملات الكالسيوم ضرورية للحامل؟- احذري أضرارها    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    فرج عامر: الفار تعطل 70 دقيقة في مباراة مازيمبي والأهلي بالكونغو    رئيس شُعبة المصورين الصحفيين: التصوير في المدافن "مرفوض".. وغدًا سنبحث مع النقابة آليات تغطية الجنازات ومراسم العزاء    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    هل يستمر عصام زكريا رئيسًا لمهرجان الإسماعيلية بعد توليه منصبه الجديد؟    آخر تطورات الحالة الصحية ل الشناوي، وتفاصيل وعد حسام حسن لحارس الأهلي    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    رئيس جامعة عين شمس والسفير الفرنسي بالقاهرة يبحثان سبل التعاون    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    سقوط المتهم بالنصب على الطلاب في دورات تعليمية بسوهاج    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    بمناسبة اقتراب شم النسيم.. أسعار الرنجة والفسيخ اليوم الثلاثاء 23/4/2024    نيللي كريم تثير فضول متابعيها حول مسلسل «ب100 وش»: «العصابة رجعت»    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذمة التاريخ
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 11 - 2018

منذ أن فتح عمرو بن العاص مصر، فى القرن السابع الميلادى، كان الأقباط واليهود يعاملون وفق قاعدة «أهل الذمة»، إذ كانت هناك جزية سنوية يدفعها كل فرد غير مسلم، ويعفى منها الأطفال وكبار السن، وتدفع الجزية لأنهم لا يجندون، وسوف يلاحظ المتابع لوقائع التاريخ أن المسلمين المصريين أيضا لم يكونوا يجندون، لم يكن مسموحا لهم ذلك، ولذا فإنهم - أيضا - كانوا يدفعون ضريبة أو رسوماً، مقابل الجزية، كانت تسمى أحيانا «ضريبة الرؤوس»، إلى أن جاء محمد على باشا والى مصر، وأسس الجيش المصرى الحديث سنة 1811، وفى البداية رفض تجنيد المصريين، ربما لأنه لم يكن يثق فى قدرتهم على القيام بهذه المهمة، كان يراهم «فلاحين» - مزارعين - فقط، وربما كان يخشى من تجنيدهم على مستقبله هو وأفراد أسرته، وبعد تجارب فى الاعتماد على تجنيد غير المصريين، باءت بالفشل جميعها، قرر أن يجند المصريين، الشبان منهم، وبدأ بأبناء المسلمين فقط، ولا نعرف السبب، رغم أنه استعان بقيادات للجيش من الأوروبيين، ولم يكونوا كلهم مسلمين، ولم يثر الأمر اعتراض أحد، بل لعل الأقباط وقتها اعتبروا من المحظوظين لأنهم لا يجندون، ذلك أنه فى بداية الأمر، كان المصريون يتهربون من التجنيد، وبعضهم كان يتعمد إحداث عاهة فى أبنائه، كقطع إصبع أو فقء عين، كى لا يتم تجنيده، لأن المجند يذهب إلى مهمة قد تبعده عن أسرته وأهله سنوات، وهو عائلها، وقد تنتهى باستشهاده ولم يكن الشهيد ينال أيام محمد على أى تقدير معنوى أو مادى لذويه، وظل الحال هكذا، إلى أن تولى الوالى محمد سعيد حكم مصر، وهو رجل عظيم، ظلمته الصحافة والدعاية البريطانية، هذا الرجل وقع مرسوما بأن يكون التجنيد إجبارياً، لجميع المصريين. وتقول الوثائق إن عددا من أثرياء الأقباط احتجوا على هذا المرسوم، حتى لا يجند أبناءهم، لكن الوالى صمم على تنفيذ مرسومه ونفذ بالفعل.
كان معنى تنفيذ المرسوم أننا فى مصر، انتقلنا من مرحلة الذمية إلى المواطنة الكاملة، وأنه لم يعد هناك تمييز بين المصريين بسبب الديانة، وفتح الطريق أمام جميع المصريين، حتى وجدنا، فى مطلع القرن العشرين، بطرس باشا غالى يصبح «ناظر النطار» أى رئيس الوزراء وكان قبطيا، وتأكدت قاعدة المواطنة أكثر مع ثورة 19 حينما رفع الجميع شعار «يحيا الهلال مع الصليب» وبعد الثورة وجدنا عددا من الوزراء الأقباط وكان هناك وزير يهودى هو يوسف قطاوى باشا الذى تولى وزارة المواصلات ثم المالية. حاول الاحتلال البريطانى كثيراً التفريق بين المصريين على أساس الديانة وفشل فشلا ذريعا.
وبينما كانت مؤسسات الدولة تعمل وفق قاعدة المواطنة، ظل الفكر الدينى فى عمومه يتحرك فى إطار «أهل الذمة»، ولم ينتج خطابا وأفكارا جديدة تتسم مع عهد المواطنة، وهكذا ظللنا فكريا نردد مقولات «أهل الذمة» وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ونردد الحديث النبوى الشريف «من آذى ذميا فقد أذانى»، وكان الجهد الوعظى يتجه إلى الحديث عن فضائل ومحاسن الذمية، وأنها ليست شرا كما يتصور البعض، وأنها لا تسمح للمتشددين والإرهاربيين بما يقومون به من إجرام، ورغم النوايا الطيبة هنا وراء تلك الدروس، إلا أنه لم يتم الانتباه إلى أن الواقع الفعلى تجاوز تلك المرحلة من التفكير؛ وأن «أهل الذمة» مفهوم ضمن بناء سياسى ودولة تتعامل مع الأفراد وفق عقائدهم ومذاهبهم الدينية، ومن ثم لا معنى للوطنية أو المواطنة فيها، وقد ذهبت عنا تلك الدولة، ونحن متمسكون ومصرون على الدولة الوطنية - المدنية.
والحق أن الفقه الإسلامى الكلاسيكى به أبواب تجاوزها الواقع المعاصر، مثل ذلك الذى يتعلق بأحكام الرقيق والعبيد، وطرق التعامل معهم، وما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وكذلك الجوارى والإماء وأيضا أسرى أو سبايا الحروب مثل هذه الأمور والقضايا باتت فى ذمة التاريخ الآن، ولم يعد هناك أى تعامل بها أو على أساسها وإن كان ولابد من دراستها، فلندرسها فكرياً وثقافياً، باعتبارها جزءا من التاريخ الثقافى والفقهى، والمشكلة أن بعض الناس منحوا بعض الآراء والفتاوى ثباتا وديمومة، وكأنها الدين ذاته.
فى العصر الفاطمى، حين أراد الخليفة تعيين «يعقوب بن كلس» وزيراً له، وكان يهودياً، أرسل يطلب إليه أن يذهب من فوره إلى الجامع الأزهر، وأن يعتنق الإسلام كى يتولى المنصب الرفيع، خرج ابن كلس من قصره وسط أهله وأفراد أسرته، فى موكب من الفرح والغناء، معتبراً أن طلب الخليفة إليه أن يعتنق الإسلام مكرمة كبيرة، ورضاء عنه وعن كل اليهود المصريين، وبالفعل تولى الوزارة وكان ناجحاً، اليوم بات من المعيب أن يطلب حاكم إلى أى مواطن أن يتخلى عن دينه أو أن يعتنق دينا آخر.. الدنيا تغيرت، الولايات المتحدة تباهى أن الانتخابات الأخيرة قدمت إلى الكونجرس نائبتين مسلمتين، وفى العام الماضى، تباهت الحكومة البريطانية أن عمدة لندن مسلم من أصل باكستانى. نحن نعيش عالما جديداً.
باب النظر إلى غير المسلمين، وتحديدا المسيحيين، على أنهم أهل ذمة، ويجب أن يعاملوا وفق تلك القاعدة لابد أن يدخل باب التاريخ إلى جوار أبواب أخرى سبقته، ذلك أن الواقع الآن، يقوم على قاعدة المواطنة وبات التمييز بين البشر على أساس الدين أو المذهب أمرا مستهجنا فى العالم كله، وتدينه القوانين الدولية والإنسانية.
حين أراد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، هذا العام أن يقيم تمييزا تجاه المسلمين القادمين إلى الولايات المتحدة من بعض الدول والمجتمعات الإسلامية، وكانت لديه بعض المبررات، قوبل طلبه هذا بالاستهجان الشديد داخل الولايات المتحدة ذاتها، ولم ترحب به مؤسساتها، وبعد هذا نتحدث نحن عن غير المسلمين الذين هم أبناء البلد، باعتبارهم «أهل ذمة»، ويخرج أحد العلماء على إحدى القنوات الفضائية، قبل حوالى عام، ويكررها قبل أقل من شهر فى حوار مع إحدى الصحف ويقول إنهم اصحاب «عقيدة فاسدة»؟!!.
تلك واحدة من مشكلات الفكر الإسلامى، الذى يعانى جموداً شديدا فى بعض جوانبه، وتأخر كثيراً عن واقعنا، وأخذ هذا الجمود ينعكس على المجتمع فى كثير من القضايا، خاصة فى الملف القبطى. رغم أن المجتمع المصرى فى عمومه مع الدولة المدنية، ويرتضيها، حين كان منير فخرى عبدالنور وزيرا للسياحة، وجاء موسم الحج إلى بيت الله الحرام، نظم وأشرف على موسم اعتبر من أنجح المواسم، فى وزارة د. حازم الببلاوى، وأقلها أزمات وكانت هناك مشاكل للمعتمرين، تدخل لدى المملكة العربية السعودية وحلها، ولم يجد المواطنون المسلمون غضاضة فى ذلك، بل أشادوا به، وقد اتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من الخطوات بالغة الإيجابية فى الملف القبطى، مثل بناء كاتدرائية جديدة فى العاصمة الإدارية، وكلها وجدت تقديراً من عموم المصريين، المسلمين والأقباط.. إذن أين المشكلة..؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.