لم يعمد العقاد فى «عبقرية محمد» لعرض السيرة المحمدية من قبيل التوثيق والتحديث، وإنما- وفق ما قاله- لإبراز ملامح عبقرية النبى الإنسان الذى اصطفاه الله بظروف مُختارة صَقَّلت شخصيته، وبقدرات إنسانية فذَّة، مكَّنته من الاضطلاع بحمل الرسالة، مقدما جوانب من حياة الداعى الرفيق بقومه، والعالم بما يصلح لهم، فكان القائد العسكرى النبيل والسياسى المحنَّك، الذى استطاع أن يدير دولة الإسلام الوليدة بمهارة، معرجا على صفاته الإنسانية فهو الزوج العطوف والأب الحنون، رغم جسامة المهمة التى كلف بها من قبل الله، سبحانه وتعالى. ونقف من خلال العبقرية على مدى عظمة محمد الرسول الإنسان والعالم، بل إنها عظمة لمن ليسوا على ملة الإسلام، ومن ثم أشار العقاد إلى أن كتابه ليس شرحا للإسلام أو لبعض أحكامه، أو دفاعا عنه، أو مجادلة لخصومه، لكنه تقدير لعبقرية محمد بالمقدار الذى يدين به كل إنسان، ولا يدين به المسلم وكفى، وبالحق الذى يُثبتُ له الحب فى قلب كل إنسان، وليس فى قلب كل مسلم، فمحمد- هنا- عظيم، إنه قدوة المقتدين فى المناقب التى يتمناها المخلصون لجميع البشر، عظيم لأنه على خُلُق عظيم. وأكد العقاد أن تقدير النبى، صلى الله عليه وسلم، نافعٌ لمن يُقدّرون محمدا، لأنه فى عظمته الخالدة لا يُضارُّ بإنكار، ولا ينال منه بغى الجهلاء إلا كما نال منه بغى الكفّار، وفى كتابه الرائع هذا يقطع بنا العقاد رحلة مُمتعة، فيتحدث عن «علامات مولد وعبقريّة الداعى، ثم يعرض بعد ذلك لعبقرية محمد العسكرية، ويعقد مقارنة بينه وبين أشهر قائد حربى فى الزمن الحديث، ومنها على سبيل المثال نابليون بونابرت، كما عرض للعبقرية السياسية والإدارية، قبل أن يعرض لبلاغته وكونه صَدِيقا ورئيسا وزوجا وأبا وسيّدا وعابدا ورجلا ثم أثره فى التاريخ. وأوضح العقاد أن المئات والألوف الذين دخلوا الدين الجديد تعرضوا لسيوف المشركين ولم يُعرِّضوا أحدا لسيوفهم، وكانت حروب النبى كلها دفاعًا، ولم تكن حرب هجوم إلا على سبيل المبادرة بالدفاع بعد الإيقان من نكث العهد والإصرار على القتال، وتستوى فى ذلك حروبه مع قريش وحروبه مع اليهود أو مع الروم.
