الثورة والشرطة

خلفت الثورة واحدة من أخطر الإشكاليات التى أصابت مصر فى مقتل، هال الشعب التراب فى وجه جهاز الأمن، وألقى كل التهم على رجاله، فخسر المصريون نعمة الأمن وفقد القائمون عليه هيبتهم.
والخروج من هذا المأزق، أمر ليس سهلاً، يحتاج منا جميعاً وقفة صادقة، يحتاج إلى عملية جراحية دقيقة، غير قابلة للخطأ أو التجريب، علينا أن نقبلها جميعاً، حتى لو كانت بترا لأحد الأعضاء.
لابد أن نعترف بأن النظام السابق خلَّف أجيالاً من محترفى الجريمة والخطرين، وأنهم مصدر تهديد للآمنين، ولابد ألا ننكر أن أسلوب المواجهة أو المعالجة الأمنية ملىء بالأخطاء، ابتداء من العنف وامتدادا إلى الظلم والتعذيب والإرهاب والتلفيق.
وحتى نصل إلى الحل علينا أن نتكاتف جميعا لدراسة أسباب زيادة الجريمة وانزلاق شبابنا فيها، نضع إيدينا على أسباب المرض ثم نبدأ حملة قومية لعلاجه بصورة عاجلة، ولا نكتفى بالدراسات النظرية وتقديم النصائح.
وبالتوازى مع هذه الخطوة تتم دراسة أسباب الخلل فى جهاز الشرطة وعلاجه، فليس كل رجل أمن فاسداً وجلاداً، فهذه العقيدة غير صحيحة، والحقيقة مختلفة تماما، ومن الظلم أن نعمم الأحكام ونلقى التهم دون دليل.
جهاز الأمن هو «رمانة الميزان» فى الشارع المصرى، وحاله الآن لا يرضى أحداً، فتطبيق القانون يحتاج إلى قوة تُخيف من يخرج عليه، هذه القوة بالطبع ليست، تهمة جاهزة، ولا خطاب اعتقال على بياض، لكنها قواعد قانونية صارمة يتم استعمالها مع من يخرج على النص، وحساب من يتجاوزها أو يسىء استعمالها.
وقانون الشرطة يضع قيوداً حول رجاله، أنتجت الكثير من أخطائهم، ودفعت الكثير إلى التجاوز واستخدام وسائل غير قانونية فى التعامل مع المتهمين، فلماذا لا نستفيد بنصوص قانون الشرطة فى دول مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا، لماذا لا نراجع شروط القبول فى كلية الشرطة والمعاهد الأمنية، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالمستوى الاجتماعى والاقتصادى؟
إن استمرار الوضع على هذه الحال سيحول رجل الشرطة إلى موظف علاقات عامة، تذهب إليه تستغيث من عصابة، نفذت جريمة سطو على منزلك، فيقابلك بابتسامة عريضة، ويقدم لك مشروبا ويحرر لك محضرا، ويخبرك بأنه سيخطر النيابة وسنتحرك فورا على ضوء قراراتها، وقبل أن تنصرف والحسرة تقتلك، ستجده يودعك بنفس الابتسامة وهو يردد: «أعذرنى يا سعادة البيه هو ده القانون»، لو تجاوزته أنا اللى هروح السجن وليس أفراد العصابة!!.
omar_hsanen@hotmail.com