عندما يتم شطب 30 سنة من التاريخ حَكَمنا فيها حسنى مبارك، باعتبار أنها كانت سنوات ذل وفساد ورشوة وتزوير وظلم وسلسلة من الأعمال التى نخجل منها، فهذا ليس إدانة لمبارك، وإنما لملايين المصريين الذين ارتضوا، وقَبِلوا أن يعيشوا كل هذه السنوات الطويلة من الخداع والتمثيل والنفاق والكذب، إدانة لكل الذين تولوا أى مسؤولية فى هذه السنين مهما كانت مناصبهم، للوزراء والقادة والمدرسين والأساتذة ولكبار الدعاة والشيوخ الأجلاَّء الذين ذهبوا فى موكب كبير لتهنئته بالنجاة من محاولة الاغتيال التى تعرض لها فى أديس أبابا فى يونيو 95. يومها ذهب إليه شيخ الأزهر، وبابا الكرازة المرقسية، والشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ محمد الغزالى، وقد تحدث كل منهم مُعبّراً عن مشاعره التى لابد أنها كانت كاذبة ومخادعة ومنافقة! ومن السهل شطب تاريخ شخص، لكن من المستحيل شطب تاريخ شعب، وقد جرت من قبل محاولة شطب تاريخ هذا الشعب أيام فاروق بعد نجاح انقلاب يوليو 52 الذى أيّده الشعب، فقد أقامت الثورة شرعيتها على أساس أن تاريخ مصر بدأ منذ قيامها، وما قبلها كان الفساد الذى توَّجه حكم الملك فاروق، ثم جاء الوقت الذى اكتشف فيه ملايين المصريين أنه كان لهم تاريخ قبل ثورة يوليو، وأن العصر البائد قبل 52 لم يكن كله ظلاماً، وأن «فاروق» بدأ ملكاً محبوباً له سجل من الأعمال الإيجابية ثم فسد.. واليوم تتكرر أسطوانة شطب تاريخ مصر مع «مبارك» الذى لم يكن عصره كله فساداً وسجوناً وسرقات، بل كان لأكثر من ثلاث فترات حاكماً جيداً له سجله لكنه فسد، وهو ما يجب أن يكون درساً نتعلم منه ألا تطول فترة الحاكم، وألا يكون مطلق السلطات ولا رقيب عليه، وألا نتنازل عن اعتبار الحاكم مواطناً بدرجة أعلى اخترناه ليحكمنا لا ليسودنا، وألا نجرى وراء عواطفنا ونتسابق لإطلاق اسمه على كل شىء وأى شىء، وألا نحوِّله إلى زعيم نهتف له وبنفس الحماس نلعنه!