يشاع أنه كانت هناك زهرة تنمو بكثرة في تلك المنطقة، وكان اسم الزهرة «الزملك»؛ ولذا اشتهرت المنطقة بذلك الاسم، ويقال إن كلمة الزمالك هي كلمة تركية تعني الأكواخ الخشبية، ومرادفها العشش في لهجتنا المصرية، وكانت تلك الجزيرة الطينية هي نقطة انطلاق للصيادين في مسعاهم إلى الرزق ونقطة لراحتهم خلال فترات الصيد، ومخزنًا لأدواتهم وحصيلة صيدهم من الأسماك التي كانوا يضعونها بداخل تلك العشش.. أما الثابت تاريخيًا.. فإنه في القرن الخامس الميلادي ظهرت ثلاث جزر منفصلة في مكان جزيرة الزمالك الحالية. وكانت أسماء هذه الجزر حتى دخول الحملة الفرنسية مصر هي «عازار» و«بولاق الكبيرة» و«مصطفى أغا»، وقد اتصلت هذه الجزر الثلاث في عصر محمد على، أو جعلها محمد على جزيرة واحدة عام 1830 وعرفت باسم جزيرة «بولاق» بحكم موقعها أمام عزبة بولاق.. وبداية من ذلك التاريخ أصبحت سكنًا لحاشية وكبار قادة جيش ومحاسيب محمد على، ثم أسرته الحاكمة وكبار موظفيها من بعده، وفي القرن العشرين تحول إليها الأثرياء ونجوم المجتمع وموظفو وسادة كل حكم جديد. المهم أن الترقي الطبيعي الذي صعدت إليه تلك الجزيرة الصغيرة في تاريخها من منطقة أحراش إلى وكر للصيادين، ثم إلى جزيرة تنتمي إلى قرية بولاق الشهيرة وصولاً إلى ما آل إليه حالها الآن، كواحدة من أهم مناطق مصر المحروسة- لم يلفت نظر أحد من سكانها حاليًا وهم من النخبة وبعضهم علماء ورجال أعمال ومبدعون وفنانون وساسة وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسون ومن جميع المهن المرموقة، إلا أن سهم صعود الجزيرة الطبيعي سيأتي عليه لحظة ويتوقف وقد يستقر على حاله طويلا، أو يتدهور كسائر أماكن مصر المحروسة السابقة التي كان اسمها يدوي كالطبل وأمام تغييرات الحياة انزوت وبعضها اندثر أو كاد، مثل منطقة الأزبكية ببحيرتها الشهيرة وشارع عماد الدين بمسارحه وملاهيه ومنطقة المنيرة وعابدين وغيرها. سكان الزمالك أو أكثريتهم على الأقل عندما استدعت الضرورة إنشاء محطة مترو في المنطقة ضمن محطات المرحلة الثالثة من الخط الثالث المزمع بدء العمل فيه في مارس 2015، وقفوا في وجه المشروع واعتبروا ذاتهم المصونة دولة داخل الدولة ولم يرفضوا إقامته فقط، بل خاطبوا بنك الاستثمار الأوروبي باعتباره ممول المشروع «المرحلة الثالثة على وجه التحديد» وأبلغوه رفضهم إنشاء المحطة ومرورها من خلال الحي، وذكروا عدة أسباب لذلك، واهتم البنك وأرسل بعثة لدراسة مدى تأثير أو الأضرار المحتملة التي ستحدث نتيجة اختراق المترو المنطقة، حيث ادعى السكان أنه سيؤثر بيئيًا على النباتات وأثريًا على البنايات، لأن الحفر على مسافة 18 مترًا وأساسات العمارات على مسافة 2 متر، لكن دراسات البنك أكدت عدم وجود أضرار أو تأثيرات سلبية على أبنية الحي أو سكانه. ولم يسكت سكان المنطقة المستقلة بعد الدراسات المقدمة من البنك، ولم يقدموا دراسات بديلة تثبت صحة شكواهم، إنما اجتمعوا مع رئيس الهيئة القومية للأنفاق في الساقية، في البداية حرصوا على عدم وجود دخلاء من أحياء أخرى في أثناء اجتماعهم مع رئيس الهيئة، وكان من نتيجة ذلك أن مواطنة من الزمالك شككت في فتاة في العشرين من عمرها وحاولت منعها من الحضور لأنها ليست من سكان الزمالك، وتمسكت الفتاة بالحضور لأنها ممثلة لطلاب كلية التربية الموسيقية جامعة حلوان، وبعد ذلك قدموا اعتراضات هزيلة وتافهة من عينة «لو عملتوا محطة في الزمالك هنكون أقل من سكان بولاق وإمبابة»!! وطالبت أستاذة جامعية من سكان الحي بنقل جميع مقار الكليات التابعة لجامعة حلوان التي يقع مقرها في الزمالك إلى مقر جامعتهم في حلوان، وأيد أحد السكان مشروع المترو فغضب منه الحاضرون وشككوا في انتمائه للحي واشتبكوا معه، إلى أن أخرج بطاقته الشخصية وأثبت أنه من المنطقة المستقلة، فدعت عليه إحدى الحاضرات بأن يتهدم بيته على رأسه عند مرور المترو، وهددت ساكنة أخرى رئيس الهيئة بأن الذي سيفكر في وضع جاروف واحد في المترو الجديد، ستدفنه في تربة!. ما هذا الذي يحدث؟ وما كل هذه الشمللة؟.. ولماذا لم يتحرك أحد منهم عندما تزوج جمال مبارك وسكن في حي الزمالك قبل الثورة، وغير اتجاهات بعض الشوارع وأغلق بعضها الآخر وجعلهم يكرهون عيشتهم، ولماذا لم يخرج منهم صوت واحد يتشملل ويعترض؟! يا سادة، من المعروف أنه في كل أنحاء العالم للمشروعات القومية التي تخدم المواطنين أولويات كبرى في سبيل تحقيقها؛ تهدم معابد دينية وأماكن خدمية وأسواق من أجل إنجاز المشروع، وهذا أحد المشروعات القومية الكبرى الذي سيخدم عددًا لا يقل عن 25 ألف نسمة يوميًا، من الموظفين والعاملين والطلاب الذين يترددون على المنطقة وليس لديهم إمكانية اقتناء سيارات فارهة أو عادية حتى، ما هذه الشوفينية والأنانية؟!.. وما آخر هذه التقسيمات الطبقية التي بدأت تطل برأسها؟.. وهل نحن اكتفينا من التقسيمات الطائفية والعنصرية حتى ننكأ جرحا جديدا.. اتقوا الله يا أهل الزمالك يجعل لكم مخرجًا. إذا كان الغرض من كل هذه الضجة إثبات مدى قوتكم.. فاثبتوها داخل حيكم الجميل، أوقفوا التعديات على المباني وقللوا من المقاهي التي بدأت تمتد كخيوط العنكبوت داخل شوارعكم.. عالجوا ما بداخلكم ثم تفرغوا للمترو الذي لا غرض له إلا أن يمر مرور الكرام عبر حدودكم الآمنة. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة