الكاتب الإيطالي المعاصر (تيتسيانو سكاربا) المولود في عام 1963، وهو من الكتاب الإيطاليين المهمين والذي له عدة أعمال نالت بعضها جوائز مهمة مثل (الأشياء الأساسية وانتحاريو الغرب) استضافته مؤسسة الثقافة ببرلين لمدة ثلاثة أشهر، وهيأت أفضل سبل الراحة في صيف عام 2003 لكي يبدع كتابًا بدون أية شروط مقيدة لإقناعه، وقد قرر (تيتسيانو) أن يعيد اكتشاف جسده مثل مكتشف مفتون بما يراه.. وفعلا نجح في إصدار كتاب من الحجم الصغير يحتوي على أكثر من خمسمائة من الأقوال المأثورة عن الجسد وهو مقسم إلى خمسين فصلا قصيرا: كل فصل مخصص لجزء من أجزاء الجسم بداية من الأظافر وانتهاء بالقلب.. والمدهش في هذا الكتاب بالإضافة إلى اختياره لموضوع لم يطرق كثيرًا.. أن عماده الرئيسي على الخيال والفكاهة والفلسفة التي تخلف خواطر مدهشة وإبداعا ومواعظ موجزة ويقدم (...) غير عادية في اكتشاف للأماكن محظورة التناول في الآداب، ويقدم أحيانًا تصورات مبالغا فيها.. لكن في النهاية استمتعت بهذا الكتاب وبآفاق الخيال الممتد وبروعة الوصف ودقة الملاحظة والبلاغة اللفظية التي وصلتنا عبر الترجمة الرائعة لهذا الكتاب الصادر بالإيطالية.. وسأقدم بعض نماذج من هذا الكتاب (...) من الفصول المتتابعة حتى يتلمس قارئ هذا المقال بعض جماله، الرأس: إن رأسي مركز إنتاج إعلامي متعدد الوسائط، فهو مزود بأجهزة عالية التقنية، كاميرات فيديو ديجيتال وأنالوج، وأجهزة إدارة ومكبرات صوت واستديوهات تسجيل، ومعامل تحليل كيميائية وعضوية. وجهي هو الوسيط بين ما يجول في نفسي والمحيط الخارجي، وسطح وجهي هو مكان لتناول المعلومات، حيث آخر العالم برأيي فيه تغيرات بليغة (...) الاستجابة في شكل صفعة مدوية. الساقان: ساقاي هما الأقارب الأغنياء الجهلاء لذراعيّ. لساني: هو محطة سكة حديد يمر فيها أي شيء ويبقى فقط طعم المغادرة الحزين. شاربي: سطحي، لا مبال، متعصب للذكور، جدع، يتصف شاربي بطابع دنيوي، فهو يحب الحياة الاجتماعية على عكس لحيتي التي تتسم بطابع روحاني وتزدري الأمور الدنيوية. الأظافر: لدى يديّ عشرة أظافر، ظفر لكل أصبع وتتفتح على حدود أظافري أقواس بيضاء مستديرة ومنها تبدأ عشر جمل تستمر حتى أطراف القدمين حيث تغلق عشرة أظافر أخرى كل الأقواس، أنا أعتبر عشر جمل (...) أقواس. الرموش: رموشي إبر نحل معروضة كغنائم على بوابة (....) تزين رموشي أشواك مثل بتلات النباتات آكلة اللحوم.. تتفتح عن آخرها كي تخيف الفريسة. اليدان: رأسا نعامتين تختبئان في جيب، تعرف يداي كيف تتدللان وكيف تلكمان ثم تواسيانك بحركة حماسية وتتظاهران بأن ليستا هما من كسر أنفك.. يداي منافقتان، يداي تخرجان شمع أذني وتضغطان على البثور وتزيلان القاذورات العالقة بين أصابع قدمي، يداي ناسكان يتذللان ويكفران عن ذنوبهما بمعاقبة نفسيهما بالأعمال الأشد قذارة. عنقي: مكان ترانزيت يمر خلاله كل شيء ولكن لا توقف فيه، هل عنقي من مشاهدة كل هذه الخيرات دون أن يحصل منها حتى على الفتات، نطالب أن يدفع له رسم مرور. الجلد: يبدو جلدي لي أحيانًا ملقى في ركن بعيد مطويًا ومجعدًا لكنه مهيأ أن (...) دون أن تكون به (..) واحدة.. بمجرد أن يجد المفرش: يلتصق على الجمجمة وعلى الجبين مثل الجورب الذي يضعه اللص على وجهه، في سن الشيخوخة سيصبح جلدي مثل رداء من قطعة واحدة أكبر من مقاسي بقياس أو قياسين. القلب: يدق قلبي من داخل تابوته دقات لا تعرف اليأس، ويسأل «تك تك أتسمح لي؟»، «هل أزعجك إن لفت نظرك إلى أني لم أصبح بعد جثة هامدة ولي الحق أنا أيضًا في التجول بالشوارع؟ يتمنى قلبي أن يطل من التجويف العظمي للعينين، ويشاهد العالم بعد طول انتظار ويخفق أمام الغروب ويغمز للشمس المفعمة بالدم. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة