ما قدمته منى الشاذلى، هذا الأسبوع، فى إحدى حلقات برنامجها الجديد والجميل.. كان وسيبقى أمرا يستحق التحية والتقدير والاحترام أيضا.. فقد استضافت منى منتخب مصر لأطفال الشوارع الذى شارك مؤخرا فى كأس العالم للشوارع التى استضافتها البرازيل.. ولست أتوقف هنا أمام إنسانية منى وصدق مشاعرها ونجاحها فى إدخال هؤلاء الأطفال الأبرياء لكثير من القلوب والبيوت، بعد طول حرمان وضياع فى كل الشوارع وفوق كل الأرصفة.. إنما أتوقف أمام ما هو أعمق وأجمل حتى من ذلك.. أى ما تستطيع كرة القدم والرياضة بأسرها تقديمه لكل هؤلاء الأطفال وتغيير حياتهم وأفكارهم وأحلامهم وعلاقتهم بمجتمع طردهم من بيوته وقلوبه ودوائر اهتمامه وحنانه.. ووفقا لآخر تقديرات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بات هناك فى مختلف شوارع مصر أكثر من مليونى طفل وطفلة فقدوا كل الحقوق التى يحتاجها أى إنسان ليبقى إنسانا أو على الأقل ليبقى على قيد الحياة.. ومن المؤكد أن هؤلاء يحتاجون ويستحقون ما هو أغلى وأهم من اللعب والرياضة.. إلا أن الرياضة هنا ليست هى الهدف ولكنها الوسيلة الممكنة لأن ينال هؤلاء الأطفال بقية حقوقهم الضائعة.. وقد كانت لى حوارات كثيرة وقديمة مع الصديقين هارالد شميدت وميل يونج اللذين أسسا بطولة كأس العالم لأطفال الشوارع.. وحكى لى ميل يونج قبل سنوات طويلة عن دوافعه الحقيقية للالتفات لهؤلاء الأطفال المشردين واهتمامه بأن يلعبوا الكرة لدرجة أن ينجح الرجل فى تنظيم بطولة كبرى لهم تحمل اسم كأس العالم تشارك فيها فرق من كل بلاد الدنيا.. إذ يؤمن ميل يونج بأن هؤلاء الأطفال محرومون من أشياء كثيرة تأتى كرة القدم فى المرتبة الأخيرة فى قائمتها.. ومعنى أن ينال الطفل المتشرد حق لعب كرة القدم.. إنه قد أصبح له بيت وسقف ينام تحته.. وأصبح من حقه أن يتعلم.. وأن يلقى العناية والرعاية اللازمة ليواجه أوجاعه.. وأصبح يملك الثياب التى يرتديها ويستر بها جسده العارى وعورات زماننا.. وهى كلها مكاسب حقيقية وضرورية تأتى بها كرة القدم لهؤلاء الأطفال.. تماما مثلما حاربت كثيرا وطويلا الصديقة الأمريكية جيل روبينز باعتبارها المديرة التنفيذية لكرة الشوارع بالولاياتالمتحدة.. فلا تعتقد جيل روبينز أن الكرة فى حد ذاتها تساوى شيئا.. إنما كل شىء هو ما الذى يمكن أن يفعله الناس بالكرة.. هل يصنعون بها السلام أم يعلنون الحرب.. يعيشون الحياة أم يستسلمون للموت.. وقد نجحت جيل فى تغيير سلوك الأطفال الفقراء والمهمشين وبصفة خاصة أطفال المهاجرين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وتغيير حياة ومستقبل أكثر من مائة ألف طفل فى أكثر من خمسة وسبعين مدينة أمريكية.. ولهذا لابد أن أتوقف وأشكر قرية الأمل وأنا المصرى ومؤسسة فيس والجامعة الأمريكية بالقاهرة وهى التى كانت وراء تأسيس أول منتخب مصر لأطفال الشوارع قاده كريم حسنى.. وأشكر آخرين كثيرين مثل عهدى إسكندر والذين التفتوا لكثير من هؤلاء الأطفال فى مصر ونجحوا فى تغيير حياتهم بمنتهى الرقى والترفع، وبعيدا عن صخب الإعلام الرياضى وكل حروبه وقضاياه الزائفة.