بين المطرقة والسندان، يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فالرجل الأقوى في إسرائيل يواجه ضغطًا مزدوجًا، فمن جانب يصر وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، على أن يكون الدبلوماسي الأمريكي الذي استطاع التوصل لتسوية نهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن جانب آخر، يقف حلفاء «نتنياهو» في الائتلاف الحكومي، في وجه طموح «كيري»، وأيضًا في وجه «نتنياهو» نفسه إذا أراد الذهاب إلى هذه التسوية بشكل جدي، وهو ما يهدد الائتلاف الحاكم في إسرائيل بالانهيار. يقود «نتنياهو»، الذي يتزعم حزب «الليكود»، ائتلافه الحكومي، بتحالف خاض به الانتخابات مع حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يتزعمه، وزير الخارجية، أفيجدور ليبرمان، تحت اسم «الليكود- بيتنا»، وهو التحالف الذي حصل في انتخابات الكنيست الأخيرة على 31 مقعد من أصل 120، مقسمة على الحزبين، بواقع 20 مقعد ل«الليكود» و11 ل«إسرائيل بيتنا». كما يضم الائتلاف الحكومي في إسرائيل، والذي يُسيطر على 68 مقعد من أصل 120، حزب «يش عاتيد» (هناك مستقبل)، الذي أسسه الإعلامي الإسرائيلي، يائير لابيد، وزير المالية الحالي، قبيل الانتخابات، في أول تجربة سياسية له، والذي حصل على 19 مقعدًا، إضافة إلى حزب «البيت اليهودي»، بزعامة نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد الحالي، وهو حزب يميني قومي، يعبر عن مصالح المستوطنين، وأيضًا حزب «الحركة»، الذي أسسته وزيرة العدل الحالية، تسيفي ليفني، التي تترأس طاقم المفاوضات الإسرائيلي مع الفلسطينيين، والذي يُسيطر على 6 مقاعد بالكنيست. ويعكف وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، حاليًا على وضع «اتفاق الإطار» الذي سسيطرحه على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في غضون الأسابيع المقبلة، وهو اتفاق يتضمن مبادئ لحل القضايا الجوهرية العالقة بين الطرفين، ويُشكل أساسًا لمراحل مقبلة من المفاوضات، بعدما كان من المفترض أن تنتهي في أبريل المقبل. ويعارض حلفاء رئيسيين ل«نتنياهو» في الائتلاف الحكومي بعض النقاط التي يطرحها «كيري»، والتي سيكون لزامًا على «نتنياهو» التوقيع عليها، في حال قرر المضي قدمًا في التسوية السلمية، وهي النقاط التي يراها حلفائه أنها «تنازلات» تستوجب انسحابهم من الائتلاف الحاكم، مثل أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، (11 مقعد)، ونفتالي بينيت، زعيم «البيت اليهودي»، (12 مقعد)، وهو ما يعني انهيار للائتلاف الحكومي (68 مقعد من أصل 120) والذي سيفقد أغلبيته، بعد انسحاب 23 نائب منه. يستطيع «نتنياهو»، إذا أراد بحق المضي قدمًا في عملية السلام، تجاوز هذه العقبة بغطاء سياسي لن تُمانع المعارضة الإسرائيلية أن توفره للحفاظ على استمرار ائتلافه الحكومي، إذا ما قرر «إسرائيل بيتنا» و«البيت اليهودي» (23 مقعد) الانسحاب منه، وذلك عبر تغيير تركيبة الائتلاف بانضمام حزبي «العمل» (15 مقعد) و«ميرتس» (6 مقاعد) للائتلاف، الذي سيظل محافظًا على أغلبية 66 مقعد من أصل 120. يستطيع «نتنياهو» تغيير ائتلافه الحكومي بغطاء سياسي من المعارضة للتخلص من ابتزاز حلفائه، إلا أنه سيكون لزامًا عليه في هذه الحالة مواجهة عقبتين، الأولى، هي موقف حلفائه الجدد من البرنامج النووي الإيراني، حيث يتخذان مواقف أقل تشددًا، ما يعني أن «نتنياهو» سيضطر لتغيير ائتلافه الحكومي مرة أخرى، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، إذا ما قررت الحكومة الإسرائيلية اتخاذ أي موقف ضد إيران. أيضًا يواجه «نتنياهو» في حال قبوله بغطاء سياسي يوفره له حزبي «العمل» و«ميرتس»، معارضة داخلية في حزبه، المحسوب على اليمين المتطرف، وسيتزعم هذه المعارضة «الليكودية» شخصيات بارزة داخل الحزب الذي يتزعمه «نتنياهو» مثل نائب وزير الدفاع، داني دانون، ووزير الدفاع نفسه، موشي يعالون، الذي كشفت انتقاداته التي وجهها مؤخرًا ل«كيري» عن موقفه من المفاوضات مع الفلسطينيين، أيضًا تؤكد تصريحات لاحقة له على نفس الموقف، يقول: «لسنا مشغولين باتفاق إطار، بل بإطار لاستمرار المفاوضات يوفر المزيد من الوقت الإضافي»، مشيرًا إلى أن «مصلحة إسرائيل تكمن في استمرار المفاوضات»، وليس في التوصل لتسوية نهائية. المفاوضات من أجل المفاوضات، هكذا يريدها وزير دفاع «نتنياهو»، كما أرادتها دومًا الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة، ليكون أمام «نتنياهو» طريق آخر في نهاية المطاف، لتفجير المفاوضات، قبل الوصول لمرحلة الاستحقاقات، أو للتهرب من الاستحقاقات إذا ما وصلوا إلى هذه المرحلة. وشهدت الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، في الفترة الأخيرة تصعيدًا خطيرًا، دفع «نتنياهو» لتهديد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمنظمات الفلسطينية الأخرى بتلقينهم «درسًا قاسيًا»، كما حذر تقرير صادر عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي من أن يؤدي التصعيد الأخير إلى قيام تل أبيب ب«عملية عسكرية» واسعة النطاق في القطاع، على غرار عمليتي «الرصاص المسكوب» و«عامود السحاب». يمتلك حُكام إسرائيل مفتاحًا سحريًا دومًا للتخلص من ابتزاز الأحزاب الحليفة أو المعارضة، ويتمثل هذا المفتاح في عملية عسكرية يقوم بها الجيش الإسرائيلي، تُوحد الحكومة والمعارضة، هكذا فعل «نتنياهو» نفسه لمواجهة الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها إسرائيل في 2011، والتي عُرفت باسم «ثورة الخيام»، وقتها قرر إخماد صوت المحتجين بصوت الطائرات والمدفعية التي تدك قطاع غزة، في عملية «عامود السحاب»، وهو الخيار نفسه الذي يبدو أن «نتنياهو» سيلجأ إليه، للتخلص من ابتزاز حلفائه أو معارضيه عبر تفجير المفاوضات الجارية من الأساس. العمليات العسكرية ليست فقط مفتاحًا سحريًا لدى الزعماء الإسرائيليين للحفاظ على ائتلافاتهم الحاكمة، وإنما أيضًا جهاز لقياس رد فعل بعض الحكومات أو الأنظمة ومواقفها، هكذا فعل «نتنياهو» بعد صعود الإخوان للسلطة، عندما قرر اختبار موقف الدولة المصرية من حركة «حماس» المرتبطة تنظيميًا بجماعة الإخوان المسلمين، وهو نفس الخيار الذي قد يلجأ إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، في أبريل المقبل، موعد انتهاء الفترة الأساسية للمفاوضات، وموعد انتخاب رئيس جديد لمصر.