كم كان صادقاً ومُقنعاً ووطنياً خالصاً ذلك الرجل المحترم د. محمد البرادعى، فى حواره الصريح مع الإعلامية المُتميزة لميس الحديدى، التى نلحظ تقدمها بخُطى ثابتة إلى الصف الأول من الإعلاميين المهنيين المؤثرين يوماً بعد يوم. شعرت وأنا أتابع الحديث أن د. البرادعى يتحدث بلسان كل مصرى مخلص لوطنيته وهويته، عاشق لبلده وناسه ومُشفق عليهم من حالة الانحدار والتردى التى وصلنا إليها بعد عامين من ثورة شعبية عظيمة هزت العالم بأسره.. ولعل هذا الحديث الذى وصل إلى عقول وقلوب ملايين المصريين يكون أبلغ رد على مقال لرئيس تحرير صحيفة «الأهرام» منذ عدة أسابيع تطاول فيه على الرجل الكبير وطالبه بأن «يخرس»، ليعرف الناس من هو الذى عليه أن يخرس ويقصف قلمه ويتوارى خجلاً من انحيازه لحكم العصابة التى عينته، وها هو فى مقاله الأخير يدافع عن أخونة الدولة بدعاوى كلها كذب وادعاء، فلست أدرى على أى أساس يسمى حزب جماعة الإخوان بأنه الحزب الحاكم أو حزب الأغلبية وهو يعلم أنه ليس هناك مجلس نواب من الأصل وأنه حتى فى المجلس الذى حكم القضاء بعدم شرعيته فإن هذا الحزب لم تكن له فيه الأغلبية التى تعطيه حق الحكم منفرداً، وهل انتماء الرئيس إلى الجماعة التى يتبعها الحزب، يُبرر له سياسياً أن يُسمى حزب الأغلبية؟ ثم حتى هؤلاء الذين يرددون كالببغاوات عبارات من نوعية أنه من الطبيعى أن يُعين الرئيس طاقماً معاوناً له ممن ينتمون إلى حزبه ويضربون المثل ببلاهة شديدة بما يحدث فى أمريكا، يعلمون جيداً أن ما يقولونه لا يمكن وصفه إلا بالجهل أو الاستعباط، فالرئيس الأمريكى لا يمكنه التدخل بتغيير القيادات المحلية أو موظفى الدولة الكبار وقيادات الإعلام، ولا بالاقتراب من الصفوف الثانية وما تحتها فى الأجهزة السيادية للدولة، وبالطبع عدم المساس بالقضاء المستقل، حيث إن هذه المناصب كلها لا يحكم معيار اختيار الشخصيات المناسبة لها إلا الكفاءة والإخلاص للوطن. ولكن فى مصر «المُختطفة» فقد حدثت تغييرات وتعيينات فى كل هذه المواقع الحساسة بالدولة وأكثر (أحصاها حزب النور الحليف لهم بما لا يقل عن 18 ألف حالة إحلال إخوانى) خلال الثمانية أشهر الأولى من حكم الجماعة التى يمثلها مرسى، وهو فى رأيى أحد أهم أسباب واقع الخيبة والأزمة النى يعانى المصريون منها فى هذه الأيام العِجاف! أعود لحديث د. البرادعى لأن لى نقطة خلاف معه حول عبارة قالها فى هذا الحديث أرجو أن يتقبلها بصدر رَحِب، فقد أبدى استعداده للتعاون مع الرئيس الإخوانى الذى أسفر عن وجهه الحقيقى ومدى كفاءته الشهور الماضية، وعرض عليه بضعة مبادئ عامة أساسية ينبغى الإيمان بها من حميع الأطراف قبل الحديث عن الحوار والانتخابات وشرعية الصندوق. فبصرف النظر عن أن هذه المبادئ لا يمكن قبولها من رؤوس الجماعة التى لا تؤمن أصلا بالديمقراطية إلا كوسيلة للقفز على السلطة باستخدام كل وسائل التدليس والتزوير القذرة، فإن مجرد طرح هذا الخيار الآن فى رأيى فيه ظلم كبير للثورة المصرية.. فبعيداً عن العبارات الملتوية وأساليب المُداهنة والنفاق والكتابات المُضللة التى تريد أن تمسك العصا من المنتصف التى نلحظها كثيراً هذه الأيام من العديد من الكتاب والسياسيين، يبقى السؤال الأهم مُحدداً وواضحاً، يتحتم على كل من يتصدر للكتابة أو يتحدث فى وسائل الإعلام أن يجيب عنه بوضوح: هل ترفض أو توافق على حكم «عصابة الإخوان» التى شاءت إرادة الله أن تُظهر حقيقته وتكشفه فى الشهور الثمانية الماضية لمن لم يكن يعرفهم؟ هذه هى المسألة فى رأيى، لأنها بالفعل هى بين أن نكون أو لا نكون. القضية يا سادة ليست فى محمد مرسى على الإطلاق، فهو كما يقول المثل الشائع «لا تدعى له ولا تدعى عليه» لأنه مُجرد مُنفذ للأوامر.. القضية الحقيقية هى فى تلك الطُغمة التى سرقت ثورة الشعب المصرى العظيمة ضمن مُخطط تآمر دولى، لتسخير الدين الحنيف فى الحصول على مكاسب دنيوية وسُلطة وسلطان حتى ولو صاروا خدماً مطيعين للقوى الإمبريالية والصهيونية. إن معنى قبول حكم هذه الجماعة غير الشرعية هو اعتراف بهزيمة الثورة المصرية وخيانة لأهدافها فى الحصول على لقمة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. لم يخرج الشعب المصرى بالملايين فى يناير الخالد ينادى «إسلامية إسلامية» كما يدعى الإخوان وأنصارهم، لأن هوية الشعب المصرى وإسلامه لا يُزايد عليها أحد، فهى فرعونية قبطية إسلامية شرق أوسطية عربية منذ فجر التاريخ، وهؤلاء الفاشيون الجهلاء الجدد مصيرهم الحتمى هو نفس مصير الحركات الفاشية على مدى التاريخ. الشعب ثار من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة تنظر للأمام وتستعيد مكانتها كمنارة للحضارة والعلم والدين الصحيح فى عالم اليوم.. وهؤلاء الكذابون ومرشدهم ورئيسهم لا علاقة لهم بثورة يناير العظيمة سوى علاقة من دخل وسط زحمة الأحرار، ثم ركب موجة التيار، وقفز على الأكتاف وصاح أنا من الثوار!